صفحة : 102-103  

نقش خاتم أبي طالب:

عن الإمام الرضا «عليه السلام» ـ وروي عن آبائه أيضاً بعدة طرق: أن نقش خاتم أبي طالب كان:

«رضيت بالله رباً، وبابن أخي محمد نبياً، وبابني علي له وصياً»([1]).

ونقول:

أولاً: يبدو أن أبا طالب قد علم بهذا الأمر، أعني بالنبي والوصي، وآمن به منذ ولادة أمير المؤمنين «عليه السلام»، حيث قد رأى دلائل ذلك في أكثر من حادثة، وقد تقدم شيء من ذلك في بعض الفصول في أول هذا الكتاب. بل ان علائم النبوة وبشائرها، كانت ظاهرة في رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يعرفها حتى الأحبار والرهبان فيه بمجرد رؤيتهم له «صلى الله عليه وآله»، فكيف بالأقربين اليه، كما ان أخبار قرب ظهوره «صلى الله عليه وآله» كانت منتشرة وشائعة، كما أن دلائل امامة علي «عليه السلام» كانت ظاهرة وخصوصاً للأقربين منذ ولادته «عليه السلام»، وقد مرت بنا بعض الروايات حول ذلك..

بل لعل الصحيح هو: أن أبا طالب قد علم به من خلال ما عرفه من الأسرار، حيث كان مستودعاً للوصايا، كما أشير إليه في بعض النصوص([2]).

ثانياً: نقل المعتزلي وغيره أن علي بن يحيى البطريق كان يقول عن مدائح أبي طالب «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله»:

«لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب، وهو شيخ قريش ورئيسها، وذو شرفها يمدح ابن أخيه محمداً، وهو شاب قد ربي في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار له مجرى أولاده بمثل قوله:

وتـلـقـوا ربـيـع الأبطحـين محمداً               على ربـوة في رأس عـنـقـاء عيطل

وتـأوي إلـيـه هـاشـم إن هـاشـماً               عـرانـيـن كـعـبٍ آخـر بعـد أول

ومثل قوله:

وأبـيـض يستسقى الغمام  بوجهـه             ثمـال الـيـتـامى عصمة لـلأرامـل

يطـيـف به الهـلاك من آل هاشـم                فـهـم عـنـده في نـعـمـة وفواضل

فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء.

فإذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد «صلى الله عليه وآله»، وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره غلاماً، وعلى عاتقه طفلاً، وبين يديه شاباً، يأكل من زاده، ويأوي إلى داره، علمت موضع خاصية النبوة وسرها، وأن أمره كان عظيماً([3]).

وإنما ذكرنا كلام هذا الرجل بطوله هنا لكي نسوقه بعينه بحق أبي طالب في موقفه من ولده علي «عليه السلام».. فأبو طالب وهو شيخ قريش، وذو شرفها، والمبجل العظيم فيها، ينقش على خاتمه معلناً رضاه إبنَهُ علياً وصياً للنبي «صلى الله عليه وآله»، وهو ابنه الذي رباه في حجره غلاماً، وعلى عاتقه طفلاً، وبين يديه شاباً، يأكل من زاده، ويأوي إلى داره، ويراه في جميع حالاته، ويرصده ويراه، ويرعاه في كل التفاصيل، وله عليه حق الأبوة، ومقام الرعاية، وفضيلة التنشئة والتربية...


 

([1]) تفسير أبي الفتوح ج8 ص471 والدرجات الرفيعة ص60 ومحبوب القلوب ج2 ص219 والغدير ج7 ص395 وإيمان أبي طالب ص89.

([2]) راجع: الكافي ج1 ص445 وبحار الأنوار ج17 ص139 وج35 ص73 والغدير ج7 ص394 والتفسير الصافي ج4 ص96 والكنى والألقاب ج1 ص109 ومجمع البحرين ج1 ص461 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص50 وإيمان أبي طالب للأميني ص88.

([3]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص63 وخصائص الوحي المبين ص45.

 
   
 
 

موقع الميزان