سأل أحدهم الإمام علياً «عليه السلام» في رحبة
الكوفة فقال:
يا أمير المؤمنين، إنك بالمكان الذي أنزلك الله، وأبوك معذب في النار؟!
فقال له:
مه، فض الله فاك!! والذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو شفع أبي في كل
مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم! أبي معذب في النار، وابنه قسيم
الجنة والنار؟!
ثم قال:
والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ
أنوار الخلق إلا خمسة أنوار: نور محمد، ونوري، ونور فاطمة، ونور الحسن
والحسين، ومن ولدته من الأئمة، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى
من قبل أن يخلق آدم بألفي عام([1]).
ونقول:
أولاً:
ما معنى هذا التغيظ من أمير المؤمنين «عليه السلام» على رجل لم يَزِد
على أن طرح سؤالاً عليه، بل لقد بلغ به الأمر إلى حد الدعاء عليه بأن
يفض الله فاه؟! فبأي شيء استحل «عليه السلام» ذلك منه؟!
ونجيب:
أولاً:
إن الرواية لم تصرح لنا بسبب غيظه «عليه السلام»، غير أن من الممكن أن
يكون قد عرف أن ذلك الرجل كان عارفاً بالحق، لكنه يريد التشنيع على علي
«عليه السلام» بأمر يعلم بطلانه..
ولعل شهرة
إيمان أبي طالب في تلك الفترة كانت بحيث يكون السؤال عن إيمانه من
المحرمات، تماماً كالسؤال عن إيمان الأنبياء وأوصيائهم، فإنه لا يكون
إلا من مريض القلب، ظاهر العداء لهم.
ثانياً:
إن حديث أمير المؤمنين عن نور أبي طالب بهذه الطريقة يدلنا على أن لأبي
طالب مقاماً هو فوق مقام الأنبياء بما فيهم إبراهيم وأوصيائهم «عليهم
السلام»، باستثناء نبينا الأعظم وأوصيائه صلى الله عليه وعليهم. ولذلك
حكم «عليه السلام» بأن نوره يطفئ أنوار كل الأنبياء والأوصياء السابقين
على نبينا الأعظم
«صلى الله
عليه وآله»،
ليرى الخلق كرامة وعظمة وتضحيات أبي طالب.. التي يراد طمسها، ولو
بالإفتراء والتجني عليه في حياته وبعد وفاته، وإلى يومنا هذا..
وقد أكد ذلك
«عليه السلام» حين أخبر بأن نور أبي طالب خلق مع أنوار النبي والأئمة
قبل أن يخلق آدم «عليه السلام» بألفي عام.
ثالثاً:
إنه «عليه السلام» يستدل على عدم عذاب أبي طالب بالنار بأن ابنه قسيم
الجنة والنار.. وهذا يدل على أن ذلك السائل كان يقر بإيمان أبي طالب،
ولكنه يدعي أنه لا تناله الشفاعة..
فأجابه «عليه
السلام» بأمور ثلاثة:
الأول:
أن القضية معكوسة، فإن أبا طالب هو الذي يشفع في الخلائق، وأن كرامته
عند الله بحيث لو شفع في كل مذنب على
وجه الأرض
لشفعه الله فيه.. ومثله لا يمكن أن يكون في النار، فضلاً عن أن يحتاج
إلى شفاعة أحد..
الثاني:
لو سُلِّم جدلاً ـ أن أبا طالب في النار، فإذا كان ولده قسيم الجنة
والنار، ويقدر على أن يأخذه إلى الجنة من خلال الشفاعة، فلماذا لا يفعل
ذلك؟!
إلا إذا فرض
أن هذا الولد ليس
باراً بأبيه، ولا يراعي أبسط القواعد الأخلاقية التي أمر الله
بمراعاتها.. وفي هذه الحالة لا يستحق أن يكون قسيم الجنة والنار.
الثالث:
ما أشرنا إليه آنفاً من أن من يكون نوره من نور محمد وأهل بيته، وقد
خلق نوره قبل آدم «عليه السلام» بألفي عام، ويطفئ نوره حتى نور
الأنبياء والأوصياء
باستثناء محمد«صلى
الله عليه وآله»
، والأئمة من
بعده
«عليهم السلام»،
لا يمكن أن
يكون من أهل النار.. وذلك واضح لا يخفى.
([1])
الأمالي للطوسي ص305 و 702 والمحاسن 4 حديث2 والحجة على الذاهب
إلى تكفير أبي طالب ص95 و 96 و (ط دار سيد الشهداء ـ قم) ص74
وبحار الأنوار ج35 ص69 و 110 والإحتجاج ج1 ص546 و (ط دار
النعمان) ج1 ص340 وكنز الفوائد ج1 ص183 وكشف الغمة للأربلي ج2
ص83 و (ط دار الأضواء) ج2 ص42 والغدير ج7 ص387 وبشارة المصطفى
ص202 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص312 وماءة منقبة لابن شاذان
ص153 وخاتمة=
=
المستدرك ج5 ص20 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص174 وكنز
الفوائد ص80 والعقد النضيد والدر الفريد ص30 والصراط المستقيم
ج1 ص336 والصافي ج4 ص97 والدرجات الرفيعة ص50 وعن البرهان ج3
ص231 وتأويل الآيات ج1 ص396 وغاية المرام ج1 ص163 وج2 ص293
وإيمان أبي طالب ص78.
|