وفاء علي عليه السلام ودفاعه عن أبي طالب

   

صفحة : 114  

وفاء علي عليه السلام ودفاعه عن أبي طالب:

ونذكر هنا بعض ما تضمن دفاع علي «عليه السلام» وثناءه عن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه. فمن ذلك:

1 ـ عن الإمام السجاد «عليه السلام»: إن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يأمر أن يحج عن عبد الله وابنه، وأبي طالب في حياته، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم([1]).

وقد احتمل بعض الإخوان أن كلمة: «وابنه» تصحيف «آمنة» أو تصحيف كلمة «أبيه»، يعني عبد المطلب، ولم نجد شاهداً يؤيد هذا الاحتمال. وإن كنا لا نمنع من إثارته.

2 ـ عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه قال: «والله، ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف صنماً قط.

قيل له: فما كانوا يعبدون؟!

قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم «عليه السلام»، متمسكين به»([2]).

3 ـ عنه «عليه السلام»: «كان ـ والله ـ أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطلب مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه، مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش»([3]).

4 ـ وقيل لأمير المؤمنين «عليه السلام»: من كان آخر الأوصياء قبل النبي «صلى الله عليه وآله»؟!

قال: أبي([4]).

5 ـ عن العباس بن عبد المطلب قال: قال أبو طالب لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: ياابن أخي، الله أرسلك؟!

قال: نعم.

قال: فأرني آية.

قال: ادع لي تلك الشجرة.

فدعاها، فأقبلت حتى سجدت([5]).

ورواه السيد ابن معد، ولفظه: قال أبو طالب بمحضر من قريش، ليريهم فضله: يا ابن أخي، الله أرسلك؟!

قال: نعم.

قال: إن للأنبياء معجزاً وخرق عادة، فأرنا آية.

قال: ادع تلك الشجرة، وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: أقبلي بإذن الله..

فدعاها فأقبلت حتى سجـدت بين يديـه، ثـم أمرهـا بالإنصراف فانصرفت.

فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق.

ثم قال لابنه علي «عليه السلام»: يا بني، الزم ابن عمك([6]).

ونقول:  

إننا نذكّر القاريء بما يلي:

1 ـ لم يكن علي «عليه السلام» يكتفي بالأقوال المصرحة بإيمان أبي طالب، بل كان يضيف إليها الأفعال، التي تزيل أي لبس عن هذا الموضوع، من حيث أنها تتضمن إعطاء القاعدة التي هي أوضح دلالة، وأكثر مناعة واستعصاء على التشويه، لأنها تسد الطريق على المدعين للباطل، والمروجين له، بما لها من دلالة ظاهرة على المطلوب.

وتوضيح ذلك:

إنه قد يستطيع الحاقدون أن يوقعوا الريب أو الشك في قلوب بعض البسطاء بادِّعاء أن من يقول بإيمان أبي طالب «عليه السلام»، فإنما يدعيه من دون علم، أو عصبية له، أو إنطلاقاً من حسن الظن الذي لا يستند إلى الوقائع، أو لغير ذلك، ولكنهم لن يتمكنوا من ذلك حين تتأكد لديهم قاعدة عن الله ورسوله تقول: إن آباء الأنبياء والأوصياء منزهون عن الكفر والشرك.

فالحج عن عبد الله الذي مات، قبل ولادة النبي «صلى الله عليه وآله»، أو بعدها بقليل لا يمكن تفسيره إلا على قاعدة أن آباء الأنبياء كانوا على نهج الإيمان والإسلام، على دين إبراهيم «عليه السلام».

ويدل على ذلك: قوله «عليه السلام» عن عبد المطلب وعبد مناف وأبي طالب إنهم ما عبدوا صنماً قط، وأنهم كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم، متمسكين به.

ومعنى ذلك: أنه لا مجال للحديث عن شرك أبي طالب «عليه السلام»، أو عبد الله، أو عبد المطلب، أو غيرهما من آباء رسول الله «صلى الله عليه وآله».

2 ـ قد يقول الحاقدون وأهل الريب هنا: صدَّقنا أنهم كانوا على دين إبراهيم، ولكن من الذي قال: إنهم قد صدَّقوا بنبوة نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله»؟!..

فجاء الجواب القاطع للعذر ليقول: إن حج علي «عليه السلام» عن عبد الله، وعن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن أبي طالب يدل على أن عبد الله وأبا طالب كان حالهما في الإيمان والإسلام حال رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فلو أن أبا طالب أنكر نبوة النبي «صلى الله عليه وآله» لخرج من الإيمان إلى الكفر، ولم يصح أن يحج عنه أحد..

3 ـ كان علي «عليه السلام» يأمر بالحج عن عبد الله وابنه، (أو: آمنة. أو أبيه) كما تقدم، وأبي طالب في حال حياته، ثم أوصى بمواصلة ذلك بعد وفاته، وذلك ليشب على هذا الأمر الصغير، ويهرم فيه الكبير، ويترسخ في وجدان الناس بصورة عملية وعفوية..

4 ـ لعل هذا الإهتمام ناشئ عن إرادة تنزيه ساحة قدس الأنبياء عن أي نقص، يمكن أن يؤثر على رسوخ وعمق الإعتقاد بهم.. ولو لأسباب خارجة عنهم، وعن دائرة قرارهم واختيارهم..

بالإضافة إلى لزوم الوفاء لهؤلاء المصطفين الأخيار، والصفوة الأبرار، بتنزيه ساحتهم عن إلصاق التهم الباطلة بهم..

5 ـ إن أسلوب أبي طالب في قصة الشجرة التي دعاها إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» تذكرنا بقصة إبراهيم التي حكاها الله تعالى بقوله:

﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآَفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ..

إلى أن قال:

..وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ([7]).


 

([1]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج14 ص68 وبحار الأنوار ج35 ص112 و 157 والغدير ج7 ص380 والدرجات الرفيعة ص49 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص85 وإيمان أبي طالب للأميني ص69.

([2]) كمال الدين ص104 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص 174 وبحار الأنوار ج15 ص144 وج35 ص81 والغدير ج7 ص387 والدر النظيم ص221 وإيمان أبي طالب للأميني ص79 وتفسير أبي الفتوح ج4 ص210 وعن البرهان ج3 ص795.

([3]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص232 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص480 وبحار الأنوار ج35 ص114 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص583 والغدير للأميني ج7 ص388  والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص121 وإيمان أبي طالب للأميني ص80.

([4]) الغدير ج7 ص389 عن ضياء العالمين للفتوني، وإيمان أبي طالب للأميني ص82.

([5]) الغدير ج7 ص395 عن الأمالي للصدوق ص365 و(ط مؤسسة البعثة) ص711 وروضة الواعظين ص139ومناقب آل أبي طالب ج1 ص112 وبحار الأنوار ج17 ص370 وج35 ص71 والدرجات الرفيعة ص50 والدر النظيم ص134 وإيمان أبي طالب للأميني ص90.

([6]) الغدير ج7 ص395 و 396 عن كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص128 وبحار الأنوار ج35 ص115 وإيمان أبي طالب للأميني ص91 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص366 وراجع: روضة الواعظين ص139 وغير ذلك.

([7]) الآيات 76 ـ 83 من سورة الأنعام.

 
   
 
 

موقع الميزان