صفحة :21-26   

لست بدجال:

روى غير واحد: أن علياً «عليه السلام» خطب فاطمة  إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال «صلى الله عليه وآله»: هي لك يا علي، لست بدجال.

وفي نص آخر: خطب أبو بكر فاطمة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: «هي لك يا علي لست بدجال»([1]).

وبما أن في هذه الكلمة تعريضاً صريحاً بمن خطبها قبل أمير المؤمنين، فقد حاول ابن سعد، والبزار جعل التاء في كلمة: «لست» للمتكلم، فقال: «وذلك أنه كان قد وعد علياً بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر »([2]).

وقال البزار : «معنى قوله: لست بدجال يدل على أنه كان وعده، فقال: إني لا أخلف الوعد»([3]).

وقال الهيثمي XE "ابن حجر الهيثمي" : «رجاله ثقات، إلا أن حجراً (ابن عنبس ) لم يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله»..»([4]).

ونقول:

إن كلام هؤلاء لا يصح:

أولاً: لأن العقيلي روى هذا الحديث بنص آخر قد يرى البعض أن التاء فيه للمخاطب لا للمتكلم، فقال: عن حجر بن عنبس قال: لما زوج النبي «صلى الله عليه وآله» فاطمة من علي قال: لقد زوجتك غير دجال([5]).

والظاهر: أن الرواية خطاب من النبي «صلى الله عليه وآله» لفاطمة «عليها السلام»، وأن كلمة (غير) في موقع المفعول لكلمة زوجتك، أي أنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن ينفي أن يكون قد زوج فاطمة رجلاً دجالاً، ولكي يطمئنها إلى أنها محفوظة المقام والحقوق عند هذا الزوج..

ولكننا نقول:

لو كانت كلمة غير دجال منصوبة على الحالية من التاء في زوجتك، وكان المقصود هو أن ينفي عن نفسه كونه دجالاً.. لكان ينبغي أن يكون قد سبق منه «صلى الله عليه وآله» وعدلها بتزويجها من علي، أو وعد لعلي «عليه السلام» بتزويجه إياها..

وهذا لا شاهد له، بل الشواهد على خلافه، فقد صرح «صلى الله عليه وآله»: بأنه كان ينتظر بها القضاء كما سنرى..

كما أنه لو كان يريد أن ينفي عن نفسه الخلف بالوعد، لكان الأنسب أن يقول:

لست بمخلف وعدي أو نحو ذلك لأن كلمة دجال، التي تعني الكذب والاختلاق، لا تناسب خلف الوعد.

وكون الكلام خطاباً لأمير المؤمنين «عليه السلام»، هو الأوفق والأنسب. ولا يخلو هذا من تعريض بغيره كما لا يخفى.

وحُكْمُ السيوطي على هذا الحديث بالوضع؛ لمكان موسى بن قيس، لا اعتبار به؛ لأنه استند في ذلك إلى كلام العقيلي فيه، واتهامه له بالرفض ـ والعقيلي لا عبرة بكلامه، فإنه هو الذي يوثق عمر بن سعد  قاتل الإمام الحسين «عليه السلام»!!.

وموسى بن قيس قد وثقه كل من تعرض له سوى العقيلي، فليراجع كلام ابن معين، وأبي حاتم، وأبي نعيم، وأحمد، وابن شاهين، وابن نمير([6]).

وأما الطعن عليه في مذهبه فليس له قيمة مادام أن المعيار هو الوثاقة في النقل كما هو معلوم.

وأما حجر بن العنبس، فقولهم: لم يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله»، لا ندري مستنده، ونحن نرى: أنه يروي عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وقد عاصره، بل لقد أدرك الجاهلية، وذكره الطبراني في الصحابة([7])، بل لماذا لا تكون نفس روايته هذه دليلاً على سماعه منه «صلى الله عليه وآله»، كما يجعل نظائر المقام دليلاً على ذلك؟!

ولكن الحقيقة هي: أن ذنب حجر الوحيد هو: أنه حضر مع علي «عليه السلام» حربي الجمل وصفين، ولهؤلاء اهتمام خاص في تقليل عدد الصحابة الذين كانوا معه «عليه السلام»، وتكثيرهم مع غيره، ولربما نشير إلى هذا الأمر بنوع من التفصيل في موقع آخر إن شاء الله تعالى.

ثانياً: ان العديد من المصادر المتقدمة تنص: على أنه لم يكن يخطر في بال أمير المؤمنين «عليه السلام» خطبة فاطمة «عليها السلام»، وأنه لما عرض عليه أبو بكر وعمر ذلك قال: لقد نبهتماني لأمر كنت عنه غافلاً، ثم ذهب إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فخطبها، فأجابه. وهذا يدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن قد وعده بها.

ثالثاً: تنص الروايات أيضا على أنه «صلى الله عليه وآله» قد أجاب أبا بكر وعمر، بأنه ينتظر بها القضاء. فلو كان قد سبق منه وعد لعلي «عليه السلام»، لكان الأنسب أن يقول لهما: إنها مخطوبة، أو إنني وعدت بها فلاناً.

وهذا يرجح أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» يريد التعريض بغير علي «عليه السلام»، ممن له علاقة قريبة بهذا الأمر.

والغريب في الأمر: أننا نجد علياً «عليه السلام» نفسه يصرح بما يدل على مراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» في كلمته تلك ؛ فـ «عن أسماء بنت عميس  : أنها قالت: قيل لعلي: ألا تتزوج بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

فقال: ما لي صفراء ولا بيضاء، ولست بمأبور ـ بالباء الموحدة، يعني غير الصحيح في الدين ـ ولا المتهم في الإسلام»([8]).

وهذا يدل على أن تزويج النبي «صلى الله عليه وآله» لمن تجعل إليه أمر نفسها كان لمصلحة الدين والدعوة بالدرجة الأولى، كتزوجه «صلى الله عليه وآله» لنسائه.

وحينما طلب سعد بن معاذ من علي «عليه السلام»: أن يخطب فاطمة، قال له:

«ما أنا بأحد الرجلين: ما أنا بصاحب دنياً يلتمس ما عندي، وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه ـ يعني يتألفه ـ إني لأول من أسلم»([9]).

وإذا كنا نعلم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يلتمس الدنيا، وفرضنا أن هذه الرواية صحيحة، فإن الأمر ينحصر بعثمان ، حيث يقال: إنه كان قد عاهد أبا بكر على أن يسلم إذا زوجه النبي «صلى الله عليه وآله» رقية، التي كانت ذات جمال رائع([10]).

ثم هو تعريض بأولئك الذين كانوا يملكون أموالاً، وكانوا يظنون أن النبي «صلى الله عليه وآله» سيزوجهم من أجلها، فكان نصيبهم الرد والخيبة.

ثم أشار «عليه السلام» إلى ملاك الشرف والتفضيل بقوله: إني لأول من أسلم. ولأجل ذلك زوجه الله ورسوله «صلى الله عليه وآله».

وقد قدمنا: أن رد النبي «صلى الله عليه وآله» لأولئك المعروفين عن فاطمة، كان له أثر كبير في نفوسهم، حتى لقد قال أحد الأشراف العلويين الحسنيين في قصيدته المشهورة:

تلــك كــانت حــزازة ليـس تبـرا        حـين رُدا عنهـا وقـــد خطـبـاهـا


 

([1]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص19 ومجمع الزوائد ج9 ص204 عن البزار، واللآلي المصنوعة ج1 ص365 عن العقيلي، والطبراني. وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج25 ص399 وج33 ص325 والموضوعات لابن الجوزي  ج1 ص382 وضعفاء العقيلي ج4 ص165 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص38 والإصابة ج1 ص374 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص134 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص34.

([2]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص12.

([3]) مجمع الزوائد ج9 ص204 وراجع: وسبل الهدى والرشاد ج11 ص38.

([4]) مجمع الزوائد ج9 ص204 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص38.

([5]) اللآلي المصنوعة ج1 ص365 والضعفاء الكبير ج4 ص165.

([6]) تهـذيـب التهـذيـب ج10 ص366 و 367 و (ط دار الفكر) ج10 ص327 = = والجرح والتعديل للرازي ج8 ص158 وتاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ص221 وميزان الإعتدال ج4 ص217 والكشف الحثيث ص264 وتقريب التهذيب ج2 ص227.

([7]) الإصابة ج1 ص374 و (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج2 ص143 وأعيان الشيعة ج4 ص587 وراجع: تقريب التهذيب ج1 ص191 وأسد الغابة ج1 ص386 وتاريخ بغداد ج8 ص268 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج1 ص332 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص73 ومجمع الزوائد ج9 ص204 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص34 والتاريخ الكبير للبخاري ج3 ص73 والجرح والتعديل للرازي ج3 ص266 وتهذيب الكمال ج5 ص473 وتهذيب التهذيب ج2 ص188.

([8]) السيرة الحلبية ج2 ص207 و (ط دار المعرفة) ج2 ص472 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص43 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص340 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص14 ولسان العرب ج4 ص5 وتاج العروس ج6 ص5.

([9]) المصنف للصنعاني ج5 ص486 ومجمع الزوائد ج9 ص207 والأحاديث الطوال ص139 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص410 وج24 ص133 والمناقب للخوارزمي ص243 و (ط مركز النشر الإسلامي) 338 وكشف الغمة ج1 ص359 وشرح الأخبار ج2 ص355 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص452 وج15 ص651 وج25 ص392 وكثير من المصادر المتقدمة، حين ذكر خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

([10]) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص22.

 
   
 
 

موقع الميزان