وكان معاوية بن المغيرة
قد انهزم يوم
أحد
، ودخل
المدينة، فأتى منزل ابن عمه عثمان بن عفان
..
وكان «صلى الله عليه وآله» قد علم به من طريق الوحي،
فأرسل علياً «عليه
السلام»
ليأتي به من دار عثمان
، -
فزعموا -
أن أم
كلثوم زوجة عثمان أشارت إلى الموضع الذي صيره عثمان
فيه،
فاستخرجوه من تحت حمّارة لهم، وانطلقوا به إلى رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، فشفع فيه عثمان
، فقبل
منه «صلى الله عليه وآله»، وأجله ثلاثاً،
وأقسم إن وجده بعدها في أرض المدينة
وما
حولها ليقتلنه، فجهزه عثمان
،
واشترى له بعيراً.
وسار «صلى الله عليه وآله» إلى حمراء الأسد
، وأقام
معاوية
هذا إلى اليوم
الثالث، ليعرف أخبار النبي «صلى الله عليه وآله»، ويأتي بها قريشاً
، فلما
كان في اليوم الرابع أخبرهم «صلى الله عليه وآله»: أن معاوية
بات
قريباً، وأرسل زيداً
وعماراً
، فقتلاه([1]).
والصحيح:
أرسل علياً
وعماراً ([2]).
وقال
البلاذري
، عن ابن
الكلبي :
ويقال: إن
علياً «عليه السلام» هو الذي قتل معاوية بن المغيرة
([3]).
ويذكر هنا:
أن عثمان
قد
انتقم من أم كلثوم
،
لاتهامه إياها بدلالتها على ابن عمه.
بل يقال:
إن ما
فعله بها كان سبباً في موتها في اليوم الرابع، وحيث تلك الليلة بات
ملتحفاً
بجاريتها([4]).
ويذكرون
هنا:
أنه لما ضرب عثمان
زوجته
متهماً إياها بأنها هي التي دلت على مكان معاوية بن المغيرة
، بعثت
إلى النبي
«صلى الله
عليه وآله»
بشكواها ثلاث مرات، فأرسل في الرابعة علياً «عليه السلام» ليأتي بها،
فإن حال بينه وبينها أحد، فليحطمه بالسيف.
وأقبل النبي
«صلى الله عليه وآله»
كالواله إلى دار عثمان، فأخرجها علي «عليه السلام»، فلما نظرت إلى
النبي
«صلى الله عليه وآله»
رفعت صوتها بالبكاء، وبكى النبي
«صلى الله عليه وآله»،
وأخذها إلى منزله، وأرتهم ما بظهرها.
وبات عثمان
ملتحفاً بجاريتها، وماتت في اليوم الرابع..
وقد منعه النبي
«صلى الله
عليه وآله»
من حضور جنازتها([5]).
ونقول:
قد تحدثنا
عن بعض ما يرتبط بغزوة حمراء الأسد
، في كتابنا،:
الصحيح من سيرة النبي
«صلى الله
عليه وآله»،
وليس من نيتنا أن نكرر هنا ما ذكرناه هناك، غير أننا نشير بإيجاز إلى
بضعة نقاط، هي التالية:
1ـ
بالنسبة لمعاوية بن المغيرة نقول:
إن الرواية
وإن قالت:
إنه قتل على يد علي «عليه السلام» وعمار
، وزيد
، أو
على يد علي «عليه السلام» وعمار، كما تقدم، ولكننا نجد في المقابل: أن
البلاذري
وغيره
قد جزموا بأن علياً «عليه السلام» هو الذي قتله([6]).
2 ـ
لقد ألفنا أربعة كتب لإثبات أنه لم يكن للنبي
«صلى الله
عليه وآله»
بنات غير الزهراء
«عليها
السلام»، وقلنا: إن نسبة غيرها إليه «صلى الله عليه وآله» يمكن أن تكون
بسبب أنهن تربين في بيته، فراجع كتابنا: بنات النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أم ربائبه، وكتابنا: البنات ربائب، وكتابنا: القول
الصائب، وغير ذلك..
3 ـ
إن قصة قتل معاوية بن المغيرة
، وقتل
أم كلثوم
يدل على أن
ام كلثوم لم تعش إلى أواخر حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، بل قتلت
على يد زوجها في وقت مبكر أي بعد غزوة أحد
مباشرة.
ولعل تأخير الرواة وفاتها عدة
سنوات يهدف إلى تضييع هذه الحقيقة، والتشكيك بها.
4 ـ قد
يقال:
إن بعض
التهافت يظهر في السياقات التقريرية لهذه الغزوة، من حيث إن معبد
الخزاعي
أخبر قريشاً
بأن
النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد لحقهم بجموع كبيرة، وأنه قد انضوى إليه من لم يكن معه.
فإذا تبين
للمشركين أن ذلك غير صحيح، وأن المجروحين فقط هم الذين خرجوا في أثرهم،
فإن ذلك سيظهر معبداً على أنه يتعمد الكذب عليهم، وأن قريشاً
كانت قادرة على ضرب هؤلاء والتخلص منهم وهذا يشكل
خطراً على معبد نفسه أيضاً.
ونجيب:
بأن ما أخبر به معبد الخزاعي
قريشاً
قد
تحمله على أنه حدس وتخمين منه، وأنه قد رأى طليعة الجيش، فقدَّر أن
الجيش آت في أثرها، ولا يكو ن ذلك إلا بمزيد من الحشد والإستعداد.
يضاف إلى
ذلك:
أن قريشاً
سوف تنساق إلى نفس ما كان يرمي إليه النبي
«صلى الله عليه وآله»،
فإنه
«صلى الله عليه وآله»
كان يريد أن يظهر لهم أن الجرحى هم الذين يريدون الإنتقام منهم.. بأشد
ما يكون، مع علم قريش
بأن هؤلاء هم الذين قاتلوها، وأنهم أصبحوا أشد حرصاً على كيل الصاع
صاعين لها.. ولا بد أن يرعب هذا قريشاً
، فقد رأت من خصوص واحد من هؤلاء الأعاجيب، التي اضطرتها للهرب.. فكيف
إذا اجتمعوا عليها!!
ولم تعد تأمل بأن يكون وجود غيرهم معهم، سوف يكرر
المشهد الأول الذي استفادت منه في أحد
، حيث
إن فرار أولئك أدى إلى فرار غيرهم، حتى وصلت النوبة إلى فرار حتى هؤلاء
المجروحين أنفسهم، باستثناء واحد منهم فقط، كان النصر على يديه، وهو
الذي أفسح المجال لبعض الآخرين أن يعودوا إلى القتال، فلحقت بهم بعض
الجراحات قبل فرارهم وبعده..
فإذا لم يكن هناك من يتوقع منه الفرار، فالحرب ستكون
أشد وأصعب على جموع قريش
..
يضاف إلى
ذلك:
أنه
«صلى الله عليه وآله»
يريد أن يعطي درساً قاسياً لأولئك الفارين، الذين لم يجرؤا حتى على
الإتيان له بالماء ليغسل وجهه، ولم يجرؤا على رفع رؤوسهم لمراقبة حركة
العدو من بعيد.
يريد أن
يقول لهم:
إن في هؤلاء القلة القليلة غنى عنهم ـ حتى لو كانوا في غاية الضعف بسبب
جراحهم، وحتى لو كانوا قد هزموا قبل ذلك..
كما أنه يريد أن يعرفهم حجم
رعب عدوهم، حتى لا تستحكم عقدة الخوف فيهم.. من جهة، وأن يؤكد هذه
العقدة نفسها في قلوب أعدائهم، حتى لا يظنوا بأنفسهم أنه كان يمكنهم أن
يفعلوا شيئاً ذا بال، وليتأكد لديهم أن ما جرى من نكسة للمسلمين لن
يتكرر بعد الآن، وإنما كان أمراً عارضاً لا يصح أن يقاس عليه..
5 ـ
إن التعبير الذي أوردناه عن بحار الأنوار عن تفسير النعماني
، قد دل على: أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
خرج من حرب أحد
سليماً معافى، لم ينله قتل ولا جرح، وهذا يؤكد ما روي عن الإمام الصادق
«عليه السلام» أنه قال: إنه لا صحة لما يقال من أن رباعيته
«صلى الله عليه وآله»
قد كسرت يوم أحد
([7]).
6 ـ
إن علياً «عليه السلام» هو الذي ضرب عنق أبي عزة الجمحي
بأمر
من رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»..
ثم كان هو الذي قتل معاوية بن المغيرة
بن أبي
العاص.
وهو الذي قتل حملة اللواء التسعة، أو الأحد عشر([8])..
وقتل.. وقتل.. ولم يكن
«صلى الله عليه وآله»
يريد لأي كان من الناس أن يقوم بهذا الأمر، لأن قبيلة المقتول لن تترك
ذلك القاتل دون أن تلحق به الأذى، وتأخذ بثارها منه، ولو في بعض من يمت
إليه بصلة قربى.
فكان
«صلى الله
عليه وآله»
يؤثر أن لا تتسع الثارات بين القبائل، وأن يحصر الأمور في فئة بعينها،
وهم أهل بيته، وفي شخص بعينه، وهو علي «عليه السلام»، فتحمل هو وأهل
بيته ثقل هذه المسؤولية، وهدفوا نحورهم للعرب دون كل أحد..
ولولا هذا لم يمكن أن ينتظم
للمسلمين أمر، بل سوف تشيع الأحقاد بين القبائل، وتسعى كل قبيلة للثأر
لقتيلها من القبيلة الأخرى، وسيختلط الحابل بالنابل، وتتمزق أوصال
مجتمع أهل الإسلام، ويتسع الخرق على الراقع..
7 ـ
ثم إنه
«صلى الله عليه وآله»
أمر علياً «عليه السلام» بأن يأتيه بزوجة عثمان، لأنه كان يعلم أن
عثمان
لا يجرؤ على مواجهة علي «عليه السلام»..
8 ـ
والأهم من ذلك كله.. تلك الأوامر الصارمة لعلي «عليه السلام»: أنه إن
حال بينه وبينها أحد فليحطمه بالسيف..
وذلك لأن الذي يفعل ذلك إنما
يرد ويتمرد على الله ورسوله، ويريد أن يكون جباراً في الأرض، ويمارس
الظلم والبغي على من لا ناصر له..
ولنفترض صحة
الرواية التي تقول:
إن زوجة عثمان دلت على ذلك الكافر المحارب، فإنها تكون بذلك قد عملت
بواجبها الشرعي، وزوجها هو الذي خالف حكم الله، بإيوائه العدو المحارب
لله، ولرسوله..
على أنه لم يكن لدى عثمان
أي
دليل يدينها به، بل هي مجرد ظنون وأوهام، لا ندري كيف سوغت له هذا
الظلم الفاحش، الذي وصل به إلى حد قتلها، وهي مسلمة.. بذلك الكافر، كما
أنها قد تربت في بيت النبي
«صلى الله عليه وآله»
بل يدعي اتباع عثمان أنها بنت النبي
«صلى الله عليه وآله»
على الحقيقة؟!
9 ـ
واللافت هنا: أننا لم نسمع لعمر بن الخطاب
حساً، حتى كأنه لم يحضر هذه الوقائع، فأين كان عنها يا ترى، ولماذا لم
نسمع له هديراً وزئيراً على عثمان
.. ولم نجده يقول ويلح في القول: دعني اقتله يا رسول الله!! تماما كما
قال ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة
، والحكم بن كيسان
، وأبي سفيان
، وذي الخويصرة
،
وذي الثدية
، وابن أبي
، وشيبة بن عثمان
، وأعرابي من بني سليم
، وغيرهم..
([1])
راجع: بحار الأنوار ج20 ص145 والمغازي للواقدي ج1 ص333 وشرح
نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص46 و 47 عن البلاذري، والسيرة
الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555 والغدير ج9 ص328 والنزاع
والتخاصم ص60 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص311 والكامل في التاريخ
(ط صادر) ج2 ص165 وقاموس الرجال ج10 ص407 و 408 وبحار الأنوار
ج20 ص145 والبداية والنهاية ج4 ص51 والسيرة النبوية لابن هشام
(ط محمد علي صبيح) ج3 ص618 وعيون الأثر ج2 ص6.
([2])
راجع: أنساب الأشراف ج5 ص164 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15
ص199 و 239.
([3])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص47 وراجع ص54 وراجع: تاريخ
اليعقوبي ج2 ص78 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555
وأعيان الشيعة ج1 ص391 والنزاع والتخاصم ص60.
([4])
الكافي ج3 ص251 و 253 وبحار الأنوار ج22 ص160 ـ 161 وقاموس
الرجال ج10 ص408 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج12 ص219.
([5])
راجع: الكافي ج3 ص251 و 253 وقاموس الرجال ج10 ص408 و 409 و
والخرائج والجرائح ج1 ص94 ـ 96 وبحار الأنوار ج22 ص158 ـ 159 و
160 ـ 162 وج30 ص199 ـ 201 وج78 ص391 ـ 392 وشجرة طوبى ج2 ص242
ـ 244 وراجع: الإستيعاب ج4 ص301 والإصابة ج4 ص304.
([6])
أنساب الأشراف ج5 ص164 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص47 و
239 و 199 عن الجاحظ، وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص78 والسيرة
الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555 وأعيان الشيعة ج1 ص391
والنزاع والتخاصم ص60.
([7])
راجع: بحار الأنوار ج20 ص73 و 96 وإعلام الورى ص83 و (ط مؤسسة
آل البيت) ج1 ص179 ومعاني الأخبار ص406 .
([8])
ونظن: أن حملة اللواء كانوا تسعة، ثم ألحق بهم «عليه السلام»
اثنين آخرين لعلهما أرادا أخذ اللواء، فلم يمكنهما من ذلك.
|