أول ما لفت نظرنا هنا:
أن
عثمان
وطلحة
لم
يذكرا المشركين بشيء!! بل اقتصرا على ذكر اليهود
والنصارى
، كجماعتين
يمكن أن تعود لهما الغلبة على بلاد الحجاز
. في
حين أن الضربة التي تلقاها المسلمون في أحد
كانت
من المشركين، ولا تزال قوتهم هي المهيمنة على أكثر البلاد والعباد في
تلك المنطقة، فكأن عثمان
وطلحة
كانا
أمام احتمالات وأمور يرون أنه لا بدّ من مراعاتها:
أولها:
أن صورة الشرك في المنطقة قد اهتزت، وفقدت تأثيرها إلى حدّ كبير، بسبب
ما جرى في بدر
، بل
في أحد نفسها،
حيث اضطروا فيها إلى الفرار تحت تأثير ضربات علي «عليه السلام».
ولو كانوا
منتصرين لأكملوا مهمتهم، وتوجوا نصرهم بالتخلص من النبي
«صلى الله عليه وآله» ومن
الذين معه بصورة نهائية، ولو حصل ذلك. فهو غايـة أمانيهم، وأغلى
منجزاتهم، وأعظمها وأجلها خطراً وأثـراً بنظرهم!!
الثاني:
إن هيبة النصارى
لا
تزال قائمة، ولم يحدث بعد أي احتكاك بينهم وبين المسلمين، ليمكن تكوين
تصور عن مسار الأمور بين الفريقين.
وما جرى في
مؤتة لم يشهده كثير من الناس، ولا عرفوا تفاصيله، بعد أن ضيع خالد على
المسلمين النصر فيه.. ولكن مؤتة لم تكن قد حصلت بعد، لأنها كانت في
السنة الثامنة للهجرة، وإنما كانت أُحد في الثالثة.
الثالث:
إن اليهود
، وإن تعرضت
بعض جماعاتهم لنكسة قوية، ولكن ذلك لا يعني أن تسير الأمور بنفس
الإتجاه الذي سارت فيه مع تلك الجماعة، لأن عمدة قوتهم لا تزال على
حالها. وإنّما ترك اليهود
نصرة
تلك الجماعة بسبب تحاسدهم فيما بينهم، ولأنهم كانوا لا يزالون يأملون
بأن تكفيهم قوى الشرك المتواجدة في المنطقة، والتي تقودها قريش
أمر
محمد وصحبه، وتنتهي الأمور إلى ما يشبه الغنيمة الباردة بالنسبة إليهم.
وقد آثر عثمان
:
أن يحتفظ بعلاقته مع اليهود
، لأنه
لاحظ حضورهم المباشر في المنطقة. ولعل إدعاءاتهم، وإخباراتهم الغيبية
عن أنفسهم، وعن دورهم، وعما تؤول إليه الأمور قد خدعت طلحة
وسواه،
ومناهم أمراً ظهرت بوادره في حرب الجمل
..
ولعل هذا الأمر الذي أطمعوهم به قد فهمه اليهود من إخبارات النبي «صلى
الله عليه وآله» للزبير: بأنه يقاتل علياً وهو له ظالم. وهذا الأمر
بالذات هو الذي جعل طلحة وغيره يبحثون عن صداقات وعلاقات، وربما
تحالفات مع اليهود، أو مع النصارى..
ولعل طلحة قد لاحظ أيضاً:
أن مسار الأحداث لا يطمئنه إلى تمكن اليهود
والمشركين من حسم الأمر لصالحهم، فآثر اللجوء إلى القوة الأعظم، والتي
يشعر معها بالأمن أكثر، بسبب بعدها عن مناطق القتال من جهة، ولأجل أنه
توهم أن انقضاضها على المنطقة بعد ضعف القوى المتحاربة فيها سينتهي
بحسم الأمور لصالحها.
|