علي عليه السلام وعثمان في بني النضير

   

صفحة : 340-343   

علي عليه السلام وعثمان في بني النضير :

وذكر العلامة الحلي «رحمه الله»: أن السدي روى أن قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ﴾([1]) نزل في عثمان.

قال: لما فتح رسول الله «صلى الله عليه وآله» بني النضير ، فغنم أموالهم قال عثمان لعلي: ائت رسول الله فسله أرض كذا وكذا، فإن أعطاكها فأنا شريكك فيها، وآتيه أنا فأساله إياها، فإن أعطانيها، فأنت شريكي فيها.

فسأله عثمان أولاً، فأعطاه إياها، فقال علي أشركني.

فأبى عثمان ، فقال: بيني وبينك رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فأبى أن يخاصمه إلى النبي.

فقيل له: لم لا تنطلق معه إلى النبي؟!

فقال: هو ابن عمه، فأخاف أن يقضي له.

فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُم مُعْرِضُونَ، وَإِن يَكُنْ لَـهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([2]).

فلما بلغ عثمان ما أنزل الله فيه أتى النبي «صلى الله عليه وآله»، فأقر لعلي بالحق([3]).

 

ونقول:

هنا أمور يحسن التوقف عندها، وهي التالية:

أولاً: إن السدي ليس من الشيعة، بل هو من قدماء مفسري علماء أهل السنة، وقد روى له أصحاب الصحاح باستثناء البخاري ، وقد وثقه أحمد([4]).

وقال ابن حجر في التقريب: صدوق.

وقال العجلي: ثقة عالم بالتفسير، راوية له.

وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أحداً يذكره إلا بخير، وما تركه أحد.

وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، صدوق([5]).

ثانياً: تضمن هذا الحديث جرأة عظيمة من عثمان على ساحة قدس رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حين عبر عن خشيته من أن يكون لدى النبي «صلى الله عليه وآله» هوى وعصبية تؤثر في قضائه، فيقضي بغير الحق؛ لصالح ابن عمه، مع أن الله تبارك وتعالى يأمر الأمة بالتسليم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» والبخوع لقضائه، فيقول: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مَمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾([6]).

ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾([7]).

هذا فضلاً عن قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾([8]).

ثالثاً: إن عثمان هو الذي بادر إلى إعطاء العهد لعلي «عليه السلام»، ثم كان هو الذي نقضه مع أن الله تعالى يقول: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾([9]).

رابعاً: إن الذي دعا عثمان إلى إبرام العهد أنّه أراد أن يحصل على تلك الأرض بكل صورة ممكنة، ولعله قدّر في نفسه أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد لا يعطيه إياها، ويترجح له أن يعطيها إلى ابن عمه من منطلق العصبية له.

فلما رأى عملياً أن الأمور تسير على خلاف تقديره، دفعه حب المال إلى جحد حق علي «عليه السلام»، ونقض العهد الذي كان هو المقترح له، والساعي لإبرامه بدافع من حب المال أيضاً.

خامساً: إنّ هذه الحادثة تشير أيضاً إلى: أن أراضي بني النضير كانت ممّا أفاءه الله على رسوله «صلى الله عليه وآله»، فكانت خالصة له «صلى الله عليه وآله»، ولا حق لأحد فيها، ولذلك كان «صلى الله عليه وآله» يتصرف فيها كيف يشاء.

سادساً: إنّ هذه الحادثة بيّنت: أنّ غصب فدك لم يكن هو المرة الأولى في تاريخ العدوان على حقوق أهل البيت «عليهم السلام» في حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، بل سبقتها هذه الحادثة أيضاً وسواها ما تدخل فيه الوحي الإلهي الذي حسم الأمر، فإنّهم غصبوا بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» حق فاطمة «عليها السلام»، أراضي بني النضير أيضاً ، وكان عثمان نفسه من المساعدين على ذلك ولكن الوحي كان قد انقطع، ولم يعد يمكن استرداد الحق به، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.


 

([1]) الآية 47 من سورة النور.

([2]) الآيات 48  ـ 50 من سورة النور.

([3]) نهج الحق ( مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 ق1 ص203 و (ط دار الهجرة) ص305 والبرهان (تفسير) ج5 ص410 عن السدي، وبحار الأنوار ج31 ص238 و 239 ولا بأس بمراجعة ج22 ص98 والطرائف لابن طاووس ص493.

([4]) راجع: رجال الشيعة في أسانيد السنة للطبسي ص55 وتهذيب الكمال ج3 ص134 والكامل لابن عدي (ط دار الفكر) ج1 ص278.

([5]) راجع: الكامل لابن عدي (ط دار الفكر) ج1 ص278 وتهذيب الكمال ج3 ص137 رجال الشيعة في أسانيد السنة للطبسي ص55.

([6]) الآية 65 من سورة النساء.

([7]) الآية 56 من سورة الأحزاب.

([8]) الآيتان 3 ـ 4 من سورة النجم.

([9]) الآية 34 من سورة الإسراء.

 
   
 
 

موقع الميزان