حمزة يشرب
الخمر في زفاف فاطمة
عليها السلام:
ويروون عن علي بن الحسين
، عن أبيه، عن علي «عليهم السلام»:
أنه بينما كان يستعد لنقل فاطمة
عليها
السلام»
وعنده شارفان من الإبل، كان أخذهما من خمس غنائم بدر ، قد أناخهما إلى
جانب حجرة لبعض الأنصار ، وإذا بحمزة بن عبد المطلب قد خرج عليهما من
بيت كان يشرب فيه، وعنده قينة تغنيه:
«ألا يا حمز
للشرف النواء».
خرج عليهما
وهو سكران؛ فجب أسنمتهما، وبقر خاصرتيهما، وأخرج كبدهما، ومضى لسبيله.
فشكاه علي
«عليه السلام» إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»؛ فجاء معه الرسول،
ورأى ما رأى، فنظر إليه حمزة ، وصعد النظر إليه، وقال: وهل أنتم إلا
عبيد لأبي؟!
فتركه «صلى الله عليه وآله» وانصرف، وذلك قبل تحريم
الخمر([1]).
وفي رواية:
أن حمزة قد فعل ذلك في واقعة أحد
، وزعمت أن الرسول إنما رضي عنه في وسط المعركة، بعد أن
حمل عدة حملات صاعقة على العدو([2]).
وذلك لا يصح:
أولاً:
لأن مختلف
الروايات الواردة في زواج أمير المؤمنين «عليه
السلام»
تقول: إنه لم يكن يملك إلا درعه الحطمية، التي باعها وأنفق ثمنها على
الزفاف، وتضيف بعض الروايات فرسه أيضاً.
ولو كان عنده
شارفان من الإبل، لكان الأولى أن يذكرهما للنبي «صلى الله عليه وآله»
حينما سأله عما يملك، مما يريد أن يقدمه مهراً،
فلم يذكر له إلا درعه الحطمية؛ فلتراجع الروايات.
ثانياً:
إن زفاف فاطمة
«عليها السلام» كان قبل أحد بعدة أشهر، فكيف تقول الرواية الثانية: إن
ذلك قد كان في أحد
؟!
ثالثاً:
ذكروا: أن
حمزة كان يوم أحد وقبله صائماً([3]).
فكيف يكون قد
شرب الخمر، وفعل ما فعل في ذلك اليوم، أو في الذي قبله؟!.
رابعاً:
إن الخمر لم
تكن سمعتها حسنة عند العرب ، وكانوا يدركون سوءها، وقد حرمها عدد منهم
على نفسه قبل مجيء الإسلام، مثل: أبي طالب
([4])
وعبد المطلب
([5])،
وذكر ذلك عن جعفر بن أبي طالب أيضاً كما رواه في الأمالي.
وذكر ابن
الأثير :
أن
ممن حرمها على نفسه عثمان بن مظعون ، وعباس بن مرداس ، وعبد المطلب ،
وجعفر
، وقيس بن
عاصم ، وعفيف بن معد يكرب العبدي ، وعامر بن الظرب ، وصفوان بن أمية ،
وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن
جدعان
([6]).
وإن كنا نشك في ذلك بالنسبة إلى بعض من ذكرهم، مثل أبي
بكر
، وعبد الرحمن
بن عوف ([7]).
وأما ذكر عمر
بن الخطاب مع هؤلاء، فلا شك في أنه من إضافات النساخ، جرياً على العادة
في ذكر هذه الأسماء، لأنه كان من أشرب الناس للخمر في الجاهلية، بل لقد
استمر على ذلك حتى بعد أن أسلم كما أوضحه العلامة الأميني
([8])..
ومهما يكن
من أمر، فقد عد ابن حبيب
ممن حرم الخمر على نفسه أيضاً:
ورقة
بن نوفل ، وأبا أمية بن المغيرة ، والحارث بن عبيد المخزوميين، وزيد بن
عمرو بن نفيل ، وعامر بن حِذْيَم ، وعبد الله بن جدعان ، ومقيس بن قيس
، وعثمان بن عفان ، والوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة ، وعبد المطلب
بن هاشم ([9]).
وإنما حرمها هؤلاء على أنفسهم، لأنهم رأوها لا تناسب
كرامتهم وسؤددهم، كما يظهر من رواية تنسب إلى أبي بكر
([10]).
وعلل العباس بن
مرداس رفضه لشربها بقوله:
«لا أصبح سيد قومي، وأمسي سفيهها، لا والله، لا يدخل جوفي شيء يحول
بيني وبين عقلي أبداً»([11]).
خامساً:
إن الخمر لم تزل محرمة في الشرائع السابقة، وقد كان الإعلان بتأكيد
تحريمها إما في أول البعثة كما نقول، أو كان بعد زواج علي بالزهراء
XE "فاطمة"
«عليهما السلام» كما يقول الآخرون، فراجع ما ذكرناه حول ذلك في
كتابنا: الصحيح من سيرة النبي
«صلى الله عليه وآله»([12]).
([1])
صحيح البخاري (ط سنة 1309هـ) ج2 ص120 و (ط دار الفكر) ج3 ص80
وج4 ص41 وج5 ص16 كتاب الخمس حديث1 وكتاب المغـازي باب12 = =
وكتاب المساقاة، وصحيح مسلم كتاب الأشربة ج6 ص85 و 86 وسنن أبي
داود ج2 ص28 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص341 وعمدة القاري ج12
ص217 وج15 ص17 و 110 والآحاد والمثاني ج1 ص154 ومسند أبي يعلى
ج1 ص416 وصحيح ابن حبان ج10 ص398. وكنز العمال ج5 ص502 ومسند
أحمد ج1 ص142 والبداية والنهاية ج3 ص245 و (ط دار إحياء التراث
العربي) ج3 ص417 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص542 والإصابة
ج4 ص378 وذخائر العقبى ص104 والسيرة الحلبية ج2 ص161 والبرهان
ج1 ص498 والميزان ج6 ص131 كلاهما عن العياشي.
وراجع: مشكل الآثار ج2 ص287 وبهجة المحافل ج1 ص279 وشرحه
للأشخر اليمني، والجامع لأحكام القرآن ج6 ص287 وتفسير الثعلبي
ج2 ص142 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج7 ص29 و 30
و 31 وأسباب النزول ص118 و 119 ومدارك التنزيل للخازن ج1 ص147.
ولكن
النص الموجود في المصادر الأخيرة قد ذكر نزول آية سورة المائدة
في هذه المناسبة، مع وجود مخالفة ظاهرة للرواية المذكورة في
المتن أعلاه. مع أن سورة المائدة نزلت بعد سنوات من استشهاد
حمزة في حرب أحد XE "أحد:غزوات"
. فقد
نزلت في أواخر حياة النبي
>صلى
الله عليه وآله<.
فراجع: الدر المنثور ج2 ص252 عن مصادر كثيرة.
([2])
راجع: الأمالي للطوسي ص657 وبحار الأنوار ج20 ص114 و 115 وج76
ص144 وتفسير العياشي ج1 ص339 و 340 ومستدرك الوسائل ج17 ص49
والميزان ج6 ص131.
([3])
مغازي الواقدي ج1 ص211 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص223.
ومستدرك سفينة البحار ج2 ص420 وبحار الأنوار ج20 ص125 وإمتاع
الأسماع ج1 ص134 وج9 ص249 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص185.
([4])
راجع: السيرة الحلبية ج1 ص113 و (ط دار المعرفة) ج1 ص184.
([5])
راجع: السيرة الحلبية ج1 ص4 و 113 و (ط دار المعرفة) ج1 ص184
وسبل الهدى والرشاد ج1 ص267 وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني
ج1 ص279 وأسنى المطالب ص58.
([6])
راجع: الملل والنحل للشهرستاني ج2 ص242 وأسد الغابة ج3 ص113 و
386 وج4 ص220 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص819 وج3 ص1054 و
1295 والوافي بالوفيات ج16 ص363 وج19 ص336 وج24 ص214 والسيرة
الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص6 و 211 وج2 ص262 وج3 ص86 و 245
والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص393 وج7 ص36 وتهذيب الكمال ج14
ص249 وج24 ص63 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي)
ج8 ص35 وسير أعلام النبلاء ج1 ص155 وتحفة الأحوذي = = ج4 ص54
وكتاب ذم المسكر لابن أبي الدنيا ص38 ومن له رواية في مسند
أحمد ص290 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص190 والدر المنثور ج2
ص315 وتعجيل المنفعة ص283 وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1
ص279 والإصابة ج2 ص272 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص513 وج5
ص367 وتهذيب التهذيب ج5 ص114 وج8 ص357 وخزانة الأدب ج4 ص18 وج5
ص323.
([7])
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»
(الطبعة الخامسة) ج6.
([8])
راجع: الغدير ج6 ص95 ـ 103. وراجع: الصحيح من سيرة النبي
الأعظم «صلى الله عليه وآله» (الطبعة الخامسة) ج6.
([9])
المنمق ص531 و 532 وكتاب المحبر لابن حبيب ص237 وراجع: شرح
بهجة المحافل ج1 ص279 والإستيعاب ج2 ص819 وتهذيب الكمال ج14
ص249 والوافي بالوفيات ج16 ص363.
([10])
الصواعق المحرقة ص73 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص333 وكنز العمال
ج12 ص487 والصوارم المهرقة ص333.
([11])
أسد الغابة ج3 ص113 وكتاب ذم المسكر لابن أبي الدنيا ص41
وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص427 وكتاب المحبر لابن حبيب ص237.
([12])
الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه وآله» (الطبعة الخامسة)
ج6 ص244 فما بعدها.
|