صفحة :53-60    

لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى:

ويروون ـ عن علي «عليه السلام» (!!) ـ أنه قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً؛ وسقانا من الخمر؛ فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة؛ فقدموني، فقرأت: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ([1])، ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ([2])..»([3]).

وعن عكرمة في الآية قال: نزلت في أبي بكر ، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ، صنع علي لهم طعاماً وشراباً، فأكلوا، وشربوا، ثم صلى علي بهم المغرب؛ فقرأ: قل يا أيها الكافرون، حتى خاتمتها؛ فقال: ليس لي دين، وليس لكم دين، فنزلت: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى([4])»([5]).

وعن علي، أنه كان هو وعبد الرحمن بن عوف ، ورجل آخر، شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن: فقرأ: قل يا أيها الكافرون، فخلط فيها؛ فنزلت: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾»([6]).

وعن الحاكم عن علي «عليه السلام»: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب، فتقدم رجل وقرأ قل يا أيها الكافرون، فالتبس عليه فنزلت([7])

وفي رواية أخرى عن علي «عليه السلام»: أن رجلاً من الأنصار  دعاه، وعبد الرحمن بن عوف ، فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمهم علي في المغرب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون؛ فخلط فيها، فنزلت الخ..([8]).

وفي بعض الروايات: أنه قرأ: «قل يا أيها الكافرون؛ فلم يقمها»([9]).

ورواية أخرى لا تصرح باسم أحد، لكنها تقول: فشربها رجل، فتقدم، فصلى بهم، فقرأ: قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، فنزلت الخ..([10]).

وفي رواية أخرى عن عوف : فشربها رجلان؛ فدخلا في الصلاة، فجعلا يهجران كلاماً؛ لا يدري عوف ما هو([11]).

ونقول:

إن ذكر علي «عليه السلام» في هذه الروايات لا يصح، ونستند في حكمنا هذا إلى ما يلي:

أولاً: في الروايات المتقدمة العديد من موارد التنافي والتناقض.

1 ـ فهل الذي صنع الطعام هو عبد الرحمن بن عوف ؟! أم هو علي «عليه السلام»؟! أم هو رجل من الأنصار ؟!

2 ـ وهل الذي صلى بهم إماماً هو علي «عليه السلام»؟! أم عبد الرحمن بن عوف ؟! أم هو فلان الذي لم يسم؟!

3 ـ وهل قرأ القارئ في الصلاة: قل يا أيها الكافرون إلى آخرها، ثم قال: ليس لي دين، وليس لكم دين؟!

أم أنه قرأ: قل يا أيها الكافرون: أعبد ما تعبدون؟!

أم قرأ: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون؟!

أم قرأ: ونحن عابدون ما عبدتم؟!([12]).

أم قرأ: قل يا أيها الكافرون، أعبدْ ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم، لكم دينكم ولي دين، كما جاء في بعض الروايات؟!([13]).

أم أنه جعل يهجر كلاماً في الصلاة، لا يدري عوف ما هو؟!..

4 ـ وهل كان الحاضرون ثلاثة أشخاص فقط: علي، وعبد الرحمن بن عوف  ، ورجل من الأنصار ؟!

أم كانوا خمسة أشخاص: أبو بكر وعلي، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد؟!

أم أن الشارب كان رجلاً واحداً، كما هو ظاهر النص الأخير، وهو ظاهر رواية الحاكم ؟!

5 ـ وهل كان الذي شربها رجل واحد، ودخل في الصلاة، أم شربها رجلان، ودخلا في الصلاة؟!..

وكما يقولون: لا حافظة لكذوب..

ثانياً: إن الخمر لم تزل محرمة في شرائع الأنبياء ، وقد أكد الإسلام تحريمها في أول البعثة، في مكة قبل الهجرة، وذكرنا ذلـك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وقلنـا: إن لذلـك العديـد من الـدلائـل والشواهد، مثل روايـة معاذ بن جبل ([14])، وأم سلمة ([15])، وأبي الدرداء .. وغير ذلك.

ثالثاً: المروي عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، وعن الضحاك : أن المراد في قوله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى([16]): هو سكر النوم([17]).

رابعاً: روى القطان  في تفسيره، عن الحسن البصري ، قال: إن علياً لم يقبل أن يشرب معهم في دار أبي طلحة ، بل خرج من بينهم ساخطاً على ما يفعلون.

قال الحسن : «والله الذي لا إله إلا الله هو، ما شربها قبل تحريمها، ولا ساعة قط»([18]).

يريد قبل إعلان تحريمها. أو قبل نزول الآيات القرآنية بذلك وإن كانت قد حرمت على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك.

نعم.. وهذا هو الذي ينسجم مع خلق علي «عليه السلام»، ووعيه، وإيمانه، وهو الذي تربى في حجر الرسالة، وكان يلازم النبي «صلى الله عليه وآله» ملازمة الظل لصاحبه.. ويتبعه إتباع الفصيل أثر أمه.

وخامساً: قال الحاكم : «إن الخوارج تنسب هذا السكر، وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دون غيره، وقد برأه الله منها؛ فإنه راوي هذا الحديث»([19]).

وذلك لأن رواية الحاكم ليس فيها أنه «عليه السلام» قد شربها، كما أنها تنص على أن غيره هو الذي صلى بهم، والذي يمكن أن يرويه علي «عليه السلام» هو حسب نص الجصاص :

عن علي «عليه السلام» قال: دعا رجل من الأنصار قوماً؛ فشربوا من الخمر؛ فتقدم عبد الرحمن بن عوف لصلاة المغرب؛ فقرأ: قل يا أيها الكافرون، فالتبس عليه، فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ..»([20]).


 

([1]) سورة الكافرون الآيتان 2 و 3.

([2]) الآية43 من سورة النساء.

([3]) الدر المنثور ج2 ص164 و 165 عن عبد بن حميد وأبي داود، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس، والحاكم وصححه، وحاشية رد المحتار ج4 ص202 ونيل الأوطار ج9 ص53 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص56 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص725 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص322 وتفسير ابن أبي حاتم ج3 ص958 ولباب النقول ص63  و (ط دار إحياء العلوم) ص68 و (ط دار الكتب العلمية) ص57 وزاد المسير ج2 ص128 والمستدرك للحاكم ج4 ص142 وليس فيه تصريح بأن علياً >عليه السلام< قد شربها معهم، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص200 عن الترمذي وسنن الترمذي ج5 ص238 و (ط دار الفكر) ج4 ص305 وراجع: جامع البيان للطبري ج2 ص312 وج5 ص61 وعـون المعبـود ج10 ص77 وتفسـير الثعالـبي  ج2 = = ص241 وفتح القدير ج1 ص472 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص500 و (ط دار المعرفة) ج1 ص512 وتفسير الخازن ج1 ص358 وراجع: بهجة المحافل ج1 ص278 و 79 وليس فيه تصريح بالاسم لكن صرح به الأشخر اليمني في شرحه (بهامشه)، وكنز العمال ج2 ص248 و (ط مؤسسة الرسالة) ج2 ص385 ورمز للعديد من المصادر المتقدمة، وعن سعيد بن منصور.

([4]) الآية43 من سورة النساء.

([5]) الدر المنثور ج2 ص165 عن ابن المنذر، وفتح القدير ج1 ص472.

([6]) الدر المنثور ج2 ص165 عن ابن جرير، وابن المنذر، والمستدرك للحاكم ج4 ص142 وجامع البيان للطبري ج5 ص61 و (ط دار الفكر) ج5 ص133 وأحكام القرآن لابن العربي ج1 ص551 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص873 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص500 و (ط دار المعرفة) ج1 ص512 قال: وهكذا رواه أبو داود والنسائي.

([7]) المستدرك للحاكم ج2 ص307 وج4 ص142 وتلخيص الذهبي (بهامشه)، وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص323 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص252 وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص500 عن ابن أبي حاتم.

([8]) راجع: سنن أبي داود ج3 ص225 و (ط دار الفكر) ج2 ص182 والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص389 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص323 وكنز العمال ج2 ص386 وتفسير الخازن ج1 ص358.

([9]) أسباب نزول الآيات ص87 و (ط مؤسسة الحلبي ـ القاهرة) ص102 وجامع البيان للطبري ج2 ص212 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص873.

([10]) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج5 ص200 والغدير ج6 ص252 و 253 عنه،= = وجامع البيان ج7 ص22 وتفسير النيسابوري (بهامشه) ج2 ص322 والتفسير الكبير ج6 ص40.

([11]) جامع البيان ج2 ص211 و (ط دار الفكر) ج2 ص492 والغدير ج7 ص96.

([12]) المستدرك للحاكم ج4 ص142 وتلخيصه للـذهبي (بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة، وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص324 وتفسير مقاتل بن سليمان ج1 ص230.

([13]) جامع البيان للطبري ج5 ص61 و (ط دار الفكر) ج5 ص134 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص322 وتفسير السمعاني ج1 ص430 وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص500 و (ط دار المعرفة) ج1 ص512 والتفسير الكبير للرازي ج10 ص107 وتفسير الخازن ج1 ص146 وتفسير النسفي ج1 ص223 والمحرر الوجيز لابن عطية ج2 ص56 والكشاف ج1 ص513 و 260 ومشرق الشمسين للبهائي العاملي ص309 وتفسير العز بن عبد السلام ج1 ص324 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص874.

([14]) المعجم الكبير للطبراني ج20 ص83 ومسند الشاميين ج3 ص256 وكنز العمال ج5 ص346 وج3 ص645 وراجع ج3 ص645 و 647 و 882 ومجمع الزوائد ج5 ص53 والكامل لابن عدي ج5 ص118 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص246 وراجع ج10 ص420 وميزان الإعتدال ج3 ص291 وراجع: بحار الأنوار ج2 ص127 ح4 وج76 ص126 وقصار الجمل ج1 ص183 وج2 ص23 و 12 وراجع ص22 عن الوسائل العشرة باب 136 ح8 والأمالي للصدوق ص502 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج25 ص304 و (ط دار الإسلامية) ج17 ص243 وروضة الواعظين ص464 والمصنف لابن أبي شيبة ج5 ص509 وج8 ص342 وكشف الخفاء للعجلوني ج1 ص416 وإمتاع الأسماع ج2 ص357 وتاريخ مدينة دمشق ج33 ص368 و 370.

([15]) السنن الكبرى للبيهقي ج10 ص194 والمعجم الكبير ج23 ص263 وكنز  العمال ج3 ص645 والدر المنثور ج2 ص326 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص246.

([16]) الآية43 من سورة النساء.

([17]) راجع: الكافي ج3 ص371 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص480 وتهذيب الأحكام ج3 ص258 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج7 ص233 و 291 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص1241 و 1283 ومستدرك الوسائل ج5 ص405 و 430 وبحار الأنوار ج80 ص358 وج81 ص231 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص496 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص341 وتفسير العياشي ج1 ص242 ونور الثقلين ج1 ص400 و 401 و (ط مؤسسة إسماعيليان) ج1 ص483 والبرهان ج1 ص370 ومجمع البيان ج3 ص52 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص92 وكنز الدقائق ج2 ص461 والأصفى ج1 ص210 والصافي ج1 ص453 وقول الضحاك موجود في مختلف تفاسير أهل السنة، فعدا ما تقدم راجع: جامع البيان (ط دار الفكر) ج5 ص135 وتفسير ابن أبي حاتم ج3 ص959 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص93 وتفسير الثعلبي ج3 ص312 وتفسير السمعاني ج1 = = ص430 وزاد المسير ج2 ص129 والبحر المحيط ج3 ص265 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص876 وتفسير الثعالبي ج2 ص240 والدر المنثور ج2 ص165 وتفسير الخازن ج1 ص359 والتمهيد لابن عبد البر ج22 ص117 والتفسير الكبير للرازي ج10 ص109 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص500 وأحكـام القرآن للجصـاص ج2 ص201 وعن ابن جـريـر، وابن أبي حاتم.

([18]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص26 والبرهان ج1 ص500 وبحار الأنوار ج38 ص64.

([19]) المستدرك للحاكم ج2 ص307 ونيل الأوطار ج9 ص56 وعون المعبود ج10 ص77.

([20]) أحكام القرآن للجصاص ج2 ص201 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص253.

 
   
 
 

موقع الميزان