صفحة : 116-117   

الرواية الأقرب إلى القبول:

وجاء في رواية تقدمت: أن منادي النبي «صلى الله عليه وآله» خرج يأمرهم بسد أبوابهم، فلم يقم أحد.. وفي الثالثة خرج فقال: سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب بجر كساءه، إلى أن تقول:

فقالوا: سد أبوابنا وترك باب علي، وهو أحدثنا؟!

فقال بعضهم: تركه لقرابته.

فقالوا: حمزة أقرب منه، وأخوه من الرضاعة، وعمه إلخ([1])..

فقد دلت هذه الرواية: على أن حمزة لم يكن من المعترضين، وعلى أن ثمة تمرداً خطيراً من غيره احتاج «صلى الله عليه وآله» معه إلى التهديد بنزول العذاب..

ودلت على أن المعترضين كانوا من أهل السِّن من المهاجرين ، وهم الذين ذكروا اسم حمزة ، وجعلوا من قرابته للنبي ذريعة لتسجيل إدانة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»..

ومن الواضح: أن ما استدل به هؤلاء، وهو حداثة السن والقرابة من رواسب الجاهلية، وهو منطق أدانه الإسلام، لأنه يقوم على معايير خاطئة ومرفوضة، لأنهم جعلوا المعيار هو السن تارة، والقربى النسبية أخرى، في حين أن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ([2]).

ولست أدري كيف يطالب هؤلاء بالحصول على الإمتيازات لأنفسهم دون علي، وهم لم يقدموا بعد أية تضحية في سبيل هذا الدين.. في حين أن علياً «عليه السلام» قد نام على فراش النبي ليلة الهجرة، وكان ينام على فراشه في شعب أبي طالب سنوات طويلة، راضياً بأن يعرض نفسه لأخطار الإغتيال، كما أنه في بدر ـ إن كانت هذه القضية بعد بدر ـ قد قتل نصف قتلى المشركين، وشارك في قتل النصف الآخر..

ولم نسمع لهؤلاء أن لهم أي أثر في جهاد الأعداء، وأية تضحية في سبيل هذا الدين.. بل سمعنا عنهم خلاف ذلك.. ولا نريد أن نقول أكثر من هذا.

غير أن لنا على هذه الرواية ملاحظة، وهي أنها تقول: إن حمزة كان أخا للنبي «صلى الله عليه وآله» من الرضاعة.. ونحن نشك في ذلك، لأن الروايات تقول: إن أولاد عبد المطلب العشرة قد ولدوا له وكبروا، وصاروا رجالاً قبل زواج عبد الله بن عبد المطلب بآمنة بنت وهب .. مع كون عبد الله هو الولد الأصغرلعبد المطلب .


 

([1]) وفاء الوفاء ج2 ص478 و 479 عن يحيى وابن زبالة، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص566 عن تاريخ المدينة المنورة (ط مصر) ج1 ص339 وراجع: شرح الأخبار ج2 ص180.

([2]) الآية 13 من سورة الحجرات.

 
   
 
 

موقع الميزان