وذكروا:
أن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أمر بسد الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر
.
وفي نص آخر:
إلا خوخة أبي بكر([1]).
ففي البخاري
، عن ابن عباس :
سدوا
الأبواب إلا باب أبي بكر
([2]).
وعن أبي بكر ،
وعن أبي سعيد الخدري عنه «صلى الله
عليه وآله»:
إن أمنَّ
الناس علي في صحبته، وماله، أبو بكر
، ولو
كنت متخذاً
خليلاً
غير ربي لاتخذت أبا بكر
، ولكن
أخوة الإسلام ومودته.
لا يبقين في
المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر
.
أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر
([3]).
وفي بعض الروايات أنه قال ذلك في مرضه الذي مات فيه([4]).
وعند مسلم
، عن جندب :
قبل أن يموت بخمس ليال([5]).
وعند
الطبراني ،
وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة
:
أن ذلك بعد أن صب عليه «صلى الله عليه وآله» من سبع قرب من آبار شتى([6]).
وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة، لا سيما
وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته «صلى الله عليه وآله»([7]).
ونقول:
1ـ
إن قال عمر بن الخطاب
في مرض
النبي «صلى الله عليه وآله»: إن النبي ليهجر، لا بد أن يحرج هؤلا، لأنه
يسقط أي تصرف له «صلى الله عليه وآله»عن درجة الصلاحية للإستدلال به.
2ـ
بل لو كان
النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر بسد الأبواب إلا باب أو خوخة إبي
بكر لما احتاج عمر
لأن
يقول عن النبي «صلى الله عليه وآله»: أنه يهجر أو عليه الوجع.
3 ـ
بعد أن ثبت
صحة حديث: سدوا الأبواب إلا باب علي؛ وبعد أن اتضح: أنه لم يكن حين مرض
موته «صلى الله عليه وآله» أي باب مفتوحاً
إلا باب علي، فلا معنى لأن يأمرهم «صلى الله عليه وآله» بسد هذه
الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر
([8])،
بعد أن لم يسمح النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك الرجل!! بكوة، ولو
بقدر ما يخرج رأسه، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!!([9]).
وبهذا يتضح
عدم صحة قولهم في وجه الجمع:
إنهم بعد أن سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبوابهم، استحدثوا خوخاً
يستقربون منها الدخول إلى المسجد([10]).
4 ـ
إن الحديث ذكر
أن أبا بكر
كان يمنُّ على
النبي «صلى الله عليه وآله» بصحبته له، وقد قلنا في كتابنا: الصحيح من
سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» في حديث الغار: أن ذلك
لا
يصح إلا على
معنى فيه ذم لأبي بكر
.
5 ـ
كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر
للنبي
«صلى الله عليه وآله».
وقلنا في حديث المؤاخاة:
أنه لا يمكن
أن يصح أيضاً.
6 ـ
إن البعض
يذكر: أن بيت أبي بكر كان
بالسنح
، ويشك
كثيراً، بل على حد تعبير التوربشتي
: لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد([11]).
وأجيب:
بأنه لا يلزم
من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، واستدل على ذلك بأنه قد كان
لأبي بكر
أزواج متعددة
كأسماء بنت عميس
، وغيرها،
وبأن ابن شبة
يذكر: أنه كان
له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى، واتخذ منزلاً
آخر عند المسجد، في غربيه([12]).
ولكن ذلك لا
يثبت ما يريدون إثباته؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت
ملاصق للمسجد، ثم لماذا لا يسكن أزواجه مع تعددهن في بيت واحد ذي حجر
متعددة، كغيره من أهل المدينة
،
ومنهم النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه.
ولعل هؤلاء قد
اعتمدوا في ذكرهم بيتاً
لأبي بكر
عند المسجد
على هذا الحديث بالذات. أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتاً
له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل
والأسقام، تماماً كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل
تصحيح ذلك.
ولكنهم لم
يجعلوا باباً
لعلي «عليه
السلام»،
وهو الذي ثبت أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أبقى بابه مفتوحاً،
وسد كل باب في المسجد سواه.
7 ـ
لقد اعترف ابن
عمر
وأبوه، فقالا:
إن علياً «عليه السلام» قد أوتي ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحب
إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت
له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر
([13]).
فهذه الرواية
صريحة في أنه «عليه
السلام»
قد اختص بذلك، كما اختص بالراية يوم خيبر
،
وبتزوجه فاطمة
عليها
السلام»،
وولادتها له.
ويا ليت عمر
أشار إلى أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد أعطى الراية لعمر،
ولكنه عاد مهزوماً يجبِّن أصحابه ويجبِّنونه!! وفي جميع الأحوال نقول:
لو كان لأبي
بكر
فضل هنا
وامتياز، لم يسمح عمر
ولا
ولده لنفسيهما بالتصريح باختصاصه «عليه
السلام»
بهذا الوسام.
وامتيازه
«عليه السلام» في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر
، حيث
إن أخذ أبي بكر
وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازاً لهما، بل كان وبالاً
عليهما، كما هو معلوم.
8 ـ
لو أنه «صلى
الله عليه وآله» قد أمر بسد الأبواب إلا باب إبي بكر، لاحتج أبو بكر
بذلك
على أهل السقيفة
أو
احتج به عمر
فيها لمصالح
إبي بكر
.
9 ـ
وأخيراً، فقد قال المعتزلي
عن
البكرية
التي أرادت
مقابلة الأحاديث في فضل علي: إنها «وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه
الأحاديث، نحو: «لو كنت متخذاً
خليلاً»،
فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه كان لعلي
«عليه السلام»؛ فقلبته البكرية
إلى
أبي بكر
»([14]).
وقد ذكر
اللمعاني :
أن قضية سد باب أبي بكر
، وفتح
باب علي «عليه
السلام»
كانت من أسباب حقد عائشة
على
أمير المؤمنين «عليه السلام»، فراجع([15]).
وما أجمل ما
قاله الكميت
في هذه
المناسبة:
عـلــي
أمـيــر
المــؤمـنـين
وحـقـه من الله مفـروض
عـلى
كـل
مسلم
وزوجـه
صـديـقـة
لـم يكــن
لهــا
معــادلــة
غـيـر الـبـتـولـة
مـريم
وردم أبــواب
الــذيـن
بـنـى
لهــم
بـيـوتــاً
سـوى
أبـوابـه
لـم
يـردم
وقال السيد
الحميري XE "الحميري"
:
وخـبـر الـمـسـجــد
إذ خــصــه
مـجـلــلاً
مـن عــرصــة
الــدار
إن جــنــبـاً
كـان وإن طـاهـراً([16])
فــي
كــل
إعــــلان
وإســــرار
وأخــرج
الــبــاقــيــن
منـه
معـاً
بــالــوحـي
مــن
إنــزال
جـبـار
وقال الصاحب
بن عباد
:
ولم يـك
محتـاجـاً
إلى عـلـم
غـيره
إذا احتـاج
قـوم
في قضـايـا
تبلدوا
ولا سـد
عـن
خـير
المسـاجد
بابه وأبـوابـهـم إذ ذاك عــنــه
تسـدد
([1])
البحر الرائق ج1 ص341 والصوارم المهرقة ص102 والغدير ج3 ص209 و
214 وتحفة الأحوذي ج10 ص209 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص613
وتغليق التعليق ج4 ص57 والعهود المحمدية ص541 وخلاصة تذهيب
تهذيب الكمال ص206 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص513 والثقات لابن
حبان ج2 ص132 والبداية والنهاية ج12 ص168 والسيرة الحلبية (ط
دار المعرفة) ج3 ص458 و 460.
([2])
صحيح البخاري (ط دار المعرفة) ج4 ص190 والسنن الكبرى للبيهقي
ج2 ص443 وفتح الباري ج7 ص10 وعمدة القاري ج4 ص245 وج16 ص174
وج17 ص39 وعون المعبود ج1 ص269 والمصنف للصنعاني ج5 ص431
وكتـاب السنـة لابن أبي عاصـم ص565 والمعجـم الأوسـط ج2 = =
ص306 ومسند الشاميين ج4 ص256 وسنن الدارمي ج1 ص38 والغدير ج8
ص33 والصوارم المهرقة ص102 ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص99 و
253 والتمهيد لابن عبد البر ج21 ص230 والقول المسدد ص27 وتغليق
التعليق ج4 ص57 وكنز العمال ج12 ص509 و 523 وتذكرة الموضوعات
للفتني ص95 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص228 والتاريخ الكبير
للبخاري ج2 ص68 والكامل لابن عدي ج1 ص225 وج4 ص207 وتاريخ
مدينة دمشق ج25 ص332 وج30 ص249 و 250 و 253 و 254 و 255 و256
والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص366 و 267 وأسد الغابة ج5 ص365
وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص242 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص437
والبداية والنهاية ج7 ص379 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2
ص62 وإمتاع الأسماع ج2 ص131 وج14 ص442 وسبل الهدى والرشاد ج12
ص241 وغاية المرام ج6 ص249 و 252.
([3])
راجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص254 وصحيح مسلم (ط دار
الفكـر) ج7 ص108 والجامـع لأحكام القـرآن ج5 ص208 وتاريخ مدينة
= = دمشق ج30 ص246 وج52 ص153 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص435
وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص109 والوافي بالوفيات ج17 ص165
والنزاع والتخاصم ص113 وإمتاع الأسماع ج14 ص425 وإحقاق الحق
(الأصل) ص211 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص231 والغدير ج3 ص196
وسنن الترمذي ج5 ص270 وفضائل الصحابة للنسائي ص3 وشرح مسلم
للنووي ج15 ص151 وفتح الباري ج2 ص417 وعمدة القاري ج17 ص39
وتحفة الأحوذي ج10 ص101 و 112 وتركة النبي «صلى الله عليه
وآله» لابن زيد البغدادي ص51 والسنن الكـبرى للنسائي ج5 ص35
وصحيح ابن حبـان ج14 ص559 وج15 ص277 والمعجم الكبير للطبراني
ج11 ص268 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص967 والتمهيد لابن عبد
البر ج20 ص112 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص544.
([4])
راجع: فتح الباري ج7 ص10 وتحفة الأحوذي ج10 ص100 والغدير ج3
ص196 ومسند أحمد ج1 ص270 ومسند أبي يعلى ج4 ص457 وصحيح ابن
حبان ج15 ص275 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص242.
([5])
راجع: فتح الباري ج7 ص10 وتحفة الأحوذي ج10 ص100 وصحيح ابن
حبان ج14 ص334 والغدير ج8 ص34 ومجمع الزوائد ج4 ص237 وج9 ص45
وكنز العمال ج12 ص501 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج30 ص248.
([6])
راجع: سنن الدارمي ج1 ص38 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص437
والبداية والنهاية ج5 ص249 وإمتاع الأسماع ج14 ص442 والسيرة
النبوية لابن كثير ج4 ص453 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص240.
([7])
وفاء الوفاء ج2 ص472 و 473 وفتح الباري ج7 ص12 وإرشاد الساري
ج6 ص84 وراجع: القول المسدد ص24 والبداية والنهاية ج5 ص230.
([8])
الغدير ج3 ص213 ودلائل الصدق ج2 ص261.
([9])
وفاء الوفاء ج2 ص477 وراجع: فرائد السمطين ج1 ص206 عن أبي
نعيم، واللآلي المصنوعة ج1 ص349 و 351 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج5 ص556 وج16 ص342.
([10])
فتح الباري ج7 ص13 والقول المسدد ص25 والغدير ج3 ص210 و 213
وتحفة الأحوذي ج10 ص113 وغاية المرام ج6 ص250 ووفاء الوفاء ج2
ص477 عن الطحاوي في مشكل الآثار، والكلاباذي في معاني الأخبار.
([11])
فتح الباري ج7 ص12 وإرشاد الساري ج6 ص84 ووفاء الوفاء ج2 ص473
وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص232 وعن المرقاة في شرح المشكاة ج5
ص524.
([12])
راجع المصادر المتقدمة.
([13])
راجع: مسند أحمد ج2 ص26 والمستدرك للحاكم ج3 ص125 ومجمع
الزوائد ج9 ص120 والصواعق المحرقة الفصل3 باب9 ومناقب آل أبي
طالب ج2 ص37 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص500 ومسند أبي يعلى ج9
ص453 ونظم درر السمطين ص129 والعمدة لابن البطريق ص176 وفتح
الباري ج7 ص13 وبحار الأنوار ج39 ص28 و 31 وكتاب الأربعين ص445
والمراجعات ص218 والسقيفة للمظفر ص64.
وراجع:
الغدير ج3 ص203 وج10 ص68 وتحفة الأحوذي ج10 ص139 والقول المسدد
ص33 وراجع: وذخائر العقبى ص77 وكنز العمال ج13 ص110 وتفسير
جوامع الجامع ج3 ص525 وج9 ص417 وخصائص الوحي المبين ص164
وتفسير الثعلبي ج9 ص262 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص121 و 122
والمناقب للخوارزمي ص277 و 332 ومطالب السؤول ص174 وكشف الغمة
ج1 ص338 ونهج الإيمان ص442 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1
ص187 وينابيع المودة ج2 ص170.
([14])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص49 وراجع: سفينة النجاة
للتنكابني ص296.
([15])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص195 وكتاب الأربعين للشيرازي
ص619.
([16])
هو «عليه السلام» طاهر على كل حال.
|