صفحة : 265-267   

صفية عند القتلى:

وبعد إنتهاء حرب أحد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر أخاها حمزة ، فالتقت بعلي «عليه السلام» فقال: ارجعي يا عمة، فإن في الناس تكشفاً.

فسألته عن الرسول «صلى الله عليه وآله»، فقال: صالح.

قالت: أدللني عليه، حتى أراه.

فأشار إليه إشارة خفية من المشركين ـ حيث يبدو أنهم كانوا لا يزالون قريبين من هناك، ويخشى كرتهم، لو علموا أن علياً بعيد عن النبي «صلى الله عليه وآله»..

فأقبلت إليه، فأمر «صلى الله عليه وآله» الزبير ابنها بإرجاعها، حتى لا ترى ما بأخيها.

فقالت للزبير : ولم؟! وقد بلغني أنه قد مُثِّل بأخي، وذلك في الله قليل؟! فما أرضانا بما كان من ذلك إلخ..

فسمح لها النبي «صلى الله عليه وآله» برؤيته([1]).

ونقول:

1 ـ لقد أشار علي «عليه السلام» إلى موضع وجود رسول الله «صلى الله عليه وآله» بصورة خفية، حفاظاً منه على حياته «صلى الله عليه وآله».

ولكن عمر لم يتكتم على حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا على مكانه، حينما سأله عنه أبو سفيان ، رغم أن النبي «صلى الله عليه وآله» طلب منه أن لا يخبره عنه بشيء([2]).

2 ـ إن علياً «عليه السلام» كان يعلم أن معرفة المشركين بمكان النبي «صلى الله عليه وآله» تشكل خطراً على النبي لعلم المشركين بأن أصحابه قد تفرقوا عنه، وذهب قسم منهم إلى أهاليهم في المدينة ، وبقي قسم منهم على الجبل خائفين، وكان النبي في ثلة قليلة، ثم صار الهاربون يعودون إليه، حتى أصبحوا ثلاثين رجلاً أو نحو ذلك.

ولكن علياً «عليه السلام» يعلم ان المشركين وإن لم يجرؤا على مواصلة الحرب، وأعلنوا انسحابهم منها، فإنه «عليه السلام» كان يخاف على رسول الله «صلى الله عليه وآله» منهم؟! إن علموا أنه «صلى الله عليه وآله» أصبح وحده، من حيث إن علياً «عليه السلام» قد ابتعد عنه، فينتهزها المشركون فرصة للإنقضاض عليه، لعلمهم بأن من معه من المسلمين لن يغنوا عنه شيئاً، كما لم يغن عنه المئات قبل ذلك وهربوا، وهذا يدل على حجم رعبهم من علي «عليه السلام» دون سواه..

3 ـ وقد لوحظ: أنه «عليه السلام» قد أرجع صفية لكي لا ترى تلك الفجائع بطريقة بيان الحكم الشرعي لها، أي أنه لم يكن يريد أن يمنعها من البكاء على الشهداء، والتفجع لهم، فإن ذلك من موجبات المثوبة لها.

ولكنه حين رأى أن ذلك الأمر الإستحبابي يتعارض مع حكم إلزامي، وهو عدم جواز رؤية المرأة للرجال في حالات التكشف أخبرها بما يلزمها به الشرع الشريف، واكتفى به عما وراءه..


 

([1]) المغازي ج1 ص389 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص16 وراجع: ذخائر العقبى ص181 ومسكن الفؤاد ص71 وتعزية المسلم عن أخيه ص25 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص612 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص224.

([2]) تاريخ الخميس ج1 ص440، ووفاء الوفاء ج1 ص294، والسيرة الحلبية ج1 ص244 و 245، وتاريخ الطبري ج2 ص205، والكامل ج2 ص160، والثقات ج1 ص232، وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص414 و 415.

 
   
 
 

موقع الميزان