ونذكر هنا طائفة من النصوص التي تصف ما جرى بين علي
وعمرو بن عبد ود ومن معه. وقد آثرنا أن نستعيرها من كتابنا: الصحيح من
سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»([1])،
فنقول:
ذكروا:
أن عمرو بن عبد ود
جعل يدعو للبراز وكان قد أعلم([2])،
لكي يرى مكانه..
وهو يعِّرض بالمسلمين.
فقال «صلى الله عليه وآله» على ما في الروايات:
من لهذا الكلب؟!
فلم يقم إليه
أحد.
فلما أكثر، قام علي «عليه السلام»، فقال:
أنا
أبارزه يا رسول الله، فأمره بالجلوس، انتظاراً
منه ليتحرك غيره.
وأعاد عمرو
النداء والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير، لمكان عمرو، والخوف منه وممن
معه، ومن وراءه.
فقال عمرو:
أيها الناس،
إنكم تزعمون: أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار؟ أفما يحب أحدكم أن
يقدم على الجنة، أو يقدم عدواً
له إلى النار؟.
فلم
يقم إليه أحد.
فقام علي «عليه السلام» مرة أخرى، فقال:
أنا له يا
رسول الله، فأمره بالجلوس.
فجال عمرو
بفرسه مقبلاً
مدبراً.
وجاءت
عظماء الأحزاب ، ووقفت من وراء الخندق، ومدت أعناقها تنظر، فلما رأى
عمرو : أن أحداً لا يجيبه قال:
ولـقـد
بـحـحـت
مـن
الـنــــداء
بـجـمـعـهـم
هـل
مــن
مـبــارز
ووقــفــت
مـذ
جـبـن
المـشجـع
مـوقــف
الــقـــرن
المـــنــاجـز
إنـــي
كـــذلــــك
لــــــم
أزل
مـتـســرعـــاً
قـبــل
الهــزاهـــز
إن الــشــجــاعــة
فــي
الـفـتى
والجـــود
مـــن
خــيـــر
الغرائز
فقام علي «عليه السلام»، فقال:
يا رسول الله،
ائذن لي في مبارزته.
فلما طال نداء
عمرو بالبراز، وتتابع قيام أمير المؤمنين «عليه السلام»، قال له رسول
الله «صلى الله عليه وآله»: ادن مني يا علي.
فدنا منه،
فقلده سيفه (ذا الفقار)، ونزع عمامته من رأسه، وعممه بها، وقال:
امض
لشأنك.
فلما انصرف،
قال:
اللهم أعنه عليه([3]).
ولكن ابن شهرآشوب قال:
إن عمرواً
جعل يقول: هل
من مبارز؟! والمسلمون يتجاوزون عنه.
فركز رمحه على خيمة النبي «صلى الله عليه وآله»،
وقال:
ابرز يا محمد.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
من يقوم إلى
مبارزته فله الإمامة بعدي؟!
فنكل الناس
عنه.
إلى أن قال:
روي: أنه لما
قتل عمرو أنشد علي «عليه
السلام»:
ضـربـتـه
بـالسيـف
فـوق
الهـامـة
بـضـربـة
صـــارمـــة
هــدامــة
أنـــا
عـلي
صـاحب
الصمصــامة
وصـاحب
الحـوض
لــدى
القيامة
أخـو
رسـول
الله ذي الـعــلامــة
وقــــال
إذ عـمـمـنـي
عــمامــة
أنـت
الـذي
بـعـدي
لـه
الإمامة([4])
والمفارقة هنا
أن علياً هو الذي يقتل عمرواً الذي نكل عنه أبو بكر الذي طلب الإمامة
واستأثر بها لنفسه بالقوة والقهر..
وعن حذيفة قال:
فألبسه رسول
الله «صلى الله عليه وآله» درعه ذات الفضول،
وأعطاه سيفه ذا الفقار،
وعممه بعمامته السحاب على رأسه تسعة
أكوار،
ثم قال: تقدم.
فقال النبي
«صلى الله عليه وآله» لما ولى:
اللهم احفظه
من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت
قدميه([5]).
ويضيف
البعض:
«أنه رفع
عمامته،
ورفع
يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه، وقال: اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن
الحرث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب
يوم أحد،
وهذا أخي علي بن أبي طالب. ﴿رَبِّ لَا
تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾([6])»([7]).
وتصور لنا رواية عن علي «عليه السلام» الحالة حين عبور
الفرسان الخندق،
فهو يقول: «وفارسها وفارس العرب يومئذٍ عمرو بن عبد ود ، يهدر كالبعير
المغتلم، يدعو إلى البراز، ويرتجز، ويخطر برمحه مرة، وبسيفه مرة، لا
يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، فأنهضني
إليه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعممني بيده، وأعطاني سيفه هذا ـ
وضرب بيده إلى ذي الفقار ـ فخرجت إليه
ونساء
أهل المدينة بواك
إشفاقاً
عليَّ
من ابن عبد ود ، فقتله الله عز وجل بيدي، والعرب لا تعد لها فارساً
غيره»([8]).
ونحن نشك في الفقرة التي تذكر أن نساء المدينة بواك على علي «عليه
السلام» حين خرج إلى عمرو .. فإن نساء المدينة لم يحضرن إلى ذلك
المكان، إلا إن كان المقصود كل النساء اللواتي حضرن مع أزواجهن كما هو
عادة كثير منهم.
ويذكر
البعض:
أنه «صلى الله
عليه وآله»:
«أدناه، وقبله، وعممه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودع له، القلق
لحاله، المنتظر لما يكون منه. ثم لم يزل «صلى الله عليه وآله» رافعاً
يديه إلى السماء، مستقبلاً
لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله، كأن
على رؤوسهم الطير الخ..»([9]).
([1])
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»
(الطبعة الخامسة) ج11 ص120 ـ 136.
([2])
أعلم: أي ميز نفسه بعلامة، لكي يراه الأقران، وهو يدلل على
شجاعته، وأنه غير هائب من أحد.
([3])
راجع المصادر التالية: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص63 و 64
والإرشاد للمفيد ص59 و 60 وعيون الأثر ج2 ص61 و (ط مؤسسة عز
الدين ـ بيروت) ج2 ص39 وإعلام الورى ص194 و 195 والمغازي
للواقدي ج2 ص470 و 471 وحبيب السير ج1 ص361 وراجع: مناقب آل
أبي طالب ج3 ص135 وبحار الأنوار ج39 ص4 و 5 وج41 ص88 و 89 وج20
ص225 ـ 228 و 203 و 205 و 254 ـ 256 وتفسير القمي ج2 ص181 ـ
185 وكشف الغمة ج1 ص204 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص6 و 7
والسيرة الحلبية ج2 ص319 و (ط دار المعرفة) ج2 ص641 وشجرة طوبى
ج2 ص287 ـ 288 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص68 و إمتاع
الأسماع ج1 ص236 وأعيان الشيعة ج1 ص264 وسبل الهدى والرشاد ج4
ص377.
([4])
مناقب آل أبي طالب ج3 ص135 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص324
وبحار الأنوار ج41 ص88.
([5])
مجمع البيان ج8 ص343 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص132 وبحار
الأنوار ج20 ص203 و 226 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411 هـ.ق) ج2
ص11 وينابيع المودة ص95 و (ط دار الأسوة) ج1 ص284 وشرح الأخبار
ج1 ص323 وشجرة طوبى ج2 ص288 وتفسير القمي ج2 ص183 وجوامع
الجامع ج3 ص52 والصافي ج4 ص176 وج6 ص26 ونور الثقلين ج4 ص251
وتأويل الآيات ج2 ص451 وغاية المرام ج4 ص274 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج20 ص625 وج31 ص234.
([6])
الآية 89 من سورة الأنبياء.
([7])
راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص61 وج 13 ص283 و 284 وكنز
الفوائد (ط دار الأضواء) ج1 ص297 و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم)
ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص6 وتاريخ الخميس ج1 ص487
والسيرة الحلبية ج2 ص319 وبحار الأنوار ج20 ص215 وج38 ص300 و
309 وج39 ص3 وكنز العمال ج12 ص219 وج10 ص290 و (ط مؤسسة
الرسالة) ج11 ص623 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص221 و (ط المكتبة
الحيدرية) ج2 ص62 = = ومستدركات علم رجال الحديث ج5 ص200
ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص152 وفضائل أمير المؤمنين
«عليه السلام» لابن عقدة ص79 والمناقب للخوارزمي ص144 وكشف
الغمة ج1 ص300 وتأويل الآيات ج1 ص329 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج7 ص44 وج17 ص112 وج20 ص624 و 626 وج23 ص648 وج31
ص394.
([8])
راجع: الخصال ج2 ص368 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص368 وبحار
الأنوار ج20 ص244 وج38 ص170 والإختصاص ص166 و 167 وشرح الأخبار
ج1 ص287 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص126 وحلية
الأبرار ج2 ص363 وغاية المرام ج4 ص319.
([9])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص285 والعثمانية للجاحظ ص332
وغاية المرام ج4 ص272 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص626.
|