إن عرض علي
«عليه السلام» الخصال الثلاث على عمرو
، وهي
أن يُسْلِم، أو يرجع، أو يبارز.. لهو الغاية في النَصَفَة، وتدل على أن
الهدف ليس هو قتل الناس، بل المطلوب هو حقن دمائهم، ودفع بغيهم.. وقد
ترك هذا التصرف الحكيم، والمنصف، عمرواً
في
موقع الباغي والمعتدي، والظالم..
وقد رأينا:
أنه «عليه السلام» لم يفرض عليه أن يسلم أو يقتل، ولو أنه فعل ذلك لصحت
التهمة التي يروج لها أعداء الإسلام أن الإسلام قام بالسيف، بمعنى أن
الناس أسلموا تحت طائلة التهديد بالقتل، ولم يكن أمامهم سوى أحد
خيارين: إما القتل، أو الإسلام..
لقد خيره
«عليه السلام» بين ثلاثة أمور هي:
الإسلام.. أو
الرجوع عن البغي والعدوان، أو المبارزة التي فرضها هو على نفسه حين جاء
لحرب المسلمين بغياً منه وعتواً..
وذلك لأن المشركين قد قطعوا تلك المسافات الطويلة، لكي يمنعوا الناس من
ممارسة حريتهم، ويسلبوهم الإختيار الذي منحه الله لهم ولكل البشر.
والنبي «صلى الله عليه وآله» إنما عرض الإسلام على الناس فاختاروه، ولم
يفرضه على أحد، لكن قريشاً
والطواغيت هم الذين انبروا لقتال من مارس حريته في الإختيار، والتدين..
وحين عرض علي «عليه السلام» الإسلام على عمرو
فإنما عرضه عليه، من موقع الرفق به، والإنصاف له، وإعطائه فرصة أخيرة
لينقذ نفسه من النار..
على أنه لم
يقتصر على هذا الخيار، بل شفعه بخيار آخر، يمنحه فرصة النجاة في
الدنيا، وهو خيار يتناغم مع رغبته في الحياة، والتمتع بمباهجها، كما
أنه لا يعارض آراءَه وميولَه ومعتقداتِه، فإنه «عليه السلام» لم يكتف
بطلبه الرجوع عن حرب محمد والمسلمين، بل شفع ذلك بما يرغِّبه في هذا
الخيار بالذات، حين قال له: إن يكن محمد صادقاً كان أسعد الناس به، وإن
يك كاذباً كفتهم ذؤبان العرب
أمره.
وهي كلمة تحتم
على عمرو
إعادة النظر
في صوابية قراره الذي جاء به إلى هذه الحرب، مستثيراً في نفسه نوازع
الطموح، ومستحثاً في داخله مشاعره القبلية، علها تفيد في ضبط حركته،
ولجم اندفاعه نحو الهاوية..
كما أن هذه
الكلمة تسهّل عليه إختيار ما يتناغم مع حب السلامة، والإبتعاد عن
المشاكل والأخطار.
ولكن عمرواً
رفض
هذا الخيار أيضاً معتمداً على سراب خادع، وإلى نزعة استكبار ظالم،
وعنجهية جاهلية، وبغي بغيض، يزين له التجني والظلم الذي يودي بصاحبه
إلى الخزي والعار، والخسران في الدنيا والآخرة، وساء للظالمين بدلاً.
ولم يبق أمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلا التعامل مع خيار
عمرو الأخير، ودفع غائلة هذا الجبار الظالم، فكان النصر على يديه،
وأورد عليه ضربته التي تعدل عبادة الثقلين، (الجن
والإنس
) إلى يوم القيامة..
|