صفحة : 138   

د: ترك الحصون:

ويبقى هنا سؤال يقول: إن الأمر الطبيعي هو أن يستقر الإنسان في بيته، وفي حصنه، وفي أرضه، فما هو المبرر إذن لتوقع النبي «صلى الله عليه وآله» أن يكون بنو قريظة قد تركوا حصونهم ـ وقد قال: «تركوا» ولم يقل: خرجوا.

ونجيب:

بأن بني قريظة قد نقضوا العهد باتفاقهم مع المشركين على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكانوا على يقين من أن نتيجة الحرب ستكون لصالح أهل الشرك، وأنهم سوف يتمكنون بمعونة بني قريظة من استئصال شأفة أهل الإيمان، وقتل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخيار أصحابه..

فهم قد أقدموا على أمر كانوا قد تعاهدوا مع الرسول على عدم الإقدام عليه، فإن فعلوا ذلك فلا بد من الإنتقام منهم بمثل الفعل الذي أقدموا عليه، وسعوا إلى تحقيقه، وهو الإستئصال، والإخراج من الأرض، والقتل، وما إلى ذلك.. فللنبي «صلى الله عليه وآله» أن يتوقع منهم أن يتركوا حصونهم، ويهربوا إلى أرض أخرى..

فمقامهم في حصونهم يعد تحدياً سافراً ووقحاً، إمعاناً في البغي، والتجني.. لا سيما وأنها حصون يتمنعون بها ممن أعلنوا أنهم يسعون إلى قتلهم واستئصالهم.

فإن أمكن تبرير البغض والعداوة الدينية أو الثأرية، ولو بما هو غير مقبول ولا معقول، فإن تضحيتهم بالقيم، بارتكابهم جريمة الغدر، ونقض العهود، لا يمكن تبريريها، فكيف إذا جعلوا تلك القيم ثمناً لارتكاب جريمة استئصال مَنْ حَفِظَهم، وراعى جانبهم، ورضي بالتعامل معهم. الأمر الذي يزيد في قبح هذه الجريمة وبشاعتها وفظاعتها..

فكيف إذا كان من يريدون قتله واستئصاله هو نبي الله، وأنهم يفعلون ذلك سعياً منهم في إطفاء نور الله، وإبطال دينه، وسد أبواب الهداية الإلهية للبشر..

ثم إنهم أمعنوا في بغيهم وعداوتهم حين بادروا إلى إظهار الكلام القبيح في حق رسول «صلى الله عليه وآله»، رغم أن المفروض بالمذنب والمعتدي، والناكث للعهود أن يستحي من نفسه، وأن يظهر الندم على ما بدر منه.

 
   
 
 

موقع الميزان