صفحة : 148-149   

شكوك في حديث ابن أخطب:

أما ما ذكروه عن حيي بن أخطب ، وشعر أمير المؤمنين، فهو موضع ريب أيضاً، يضاف إلى ذلك بعض الأمور الأخرى، التي نجملها في الملاحظات التالية:

الأولى: بالنسبة للشعر المنسوب إلى علي أمير المؤمنين «عليه السلام» نقول: إنه ليس في المستوى الذي يؤهله، لأن ينسب إلى أمير البيان، وسيد الفصحاء والبلغاء، أمير المؤمنين «عليه السلام»، وذلك واضح بأدنى تأمل.

الثانية: إن التجاء حيي بن أخطب إلى القدر والقضاء لتبرير ما يتعرض له هو وبنو قريظة ليس له ما يبرره، إلا إرادة التبرير والتزوير للحقيقة. ومحاولة التنصل من المسؤولية، بإلقاء اللوم على الله سبحانه، الذي لم يأمره بأن يتآمر، ولا رضي منه أن ينقض العهود والمواثيق، ولا طلب منه ومن أصحابه أن يواجهوا النبي «صلى الله عليه وآله» بالحرب، وهم يعرفون صدقه، وصحة نبوته كما يعرفون أبناءهم، ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة  والإنجيل .

وإذا كان لكلام حيي هذا أساس من الصحة، فصحته تكمن في أنه يبين أن الله سبحانه قد قدَّر على الباغي، والناكث، والمكذب للصادقين، وقتلة الأنبياء : أن يُقْتَل جزاء ذلك البغي، والنكث، والتكذيب.

الثالثة: ذكروا: أن جبل بن جوال الثعلبي هو الذي قال:

لعمرك مـا لام ابن أخطب نفسه                  ولكــنه مـن يخــذل الله يخـذل([1])

ولكننا نرجح: أن يكون حيي بن أخطب نفسه هو الذي قال هذا الشعر كما ذكر البعض([2]).

بل ذكرت بعض النصوص: أن علياً «عليه السلام» سأل الذي جاء بحيي: ما كان يقول وهو يقاد إلى الموت؟!

فقال: كان يقول:

لـعـمرك ما لام ابن أخطب نفسـه                ولكنه مـن يَخــــذل الله يُخـــذل

فجاهـد حتى أبلغ النفس جهدهـا وحاول يـبـغي العز كل مقلقل([3])

وهي بحيي أنسب منها بجبل بن جوال ، خصوصاً إذا كان جبل قد أسلم قبل قتل حيي وبني قريظة ، فإنه بعد أن أسلم لم يكن ليرثي حيي بن أخطب بهذه الأبيات.

الرابعة: إننا نلمح في هذه الروايات، كما هو في غيرها، قدراً من الاهتمام بإظهار مزيد من القوة والثبات لدى اليهود ، والصبر على مواجهة المصاب الكارثة، ثم المزيد من التأكيد على أنهم قد اختاروا الموت كراماً على الخضوع لما يخالف قناعاتهم.. وهذا هو أحد سبل تزوير الحقيقة، وتشويه التاريخ الصحيح..


 

([1]) دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص23 .

([2]) تفسير القمي ج2 ص191 و 192 وبحار الأنوار ج20 ص237 ومقاتل الطالبيين ص312 والإرشاد (ط دار المفيد ) ج1 ص112 وتاريخ الأمم والملوك ج6 ص451 وفي دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص23 قال: «وبعض الناس يقول: حيي بن أخطب قالها» وكذا في الإصابة ج1 ص222 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص563.

([3]) بحار الأنوار ج20 ص263 وكشف الغمة ج1 ص208 والإرشاد للمفيد ص265 و (ط دار المفيد ) ج1 ص112 والدر النظيم ص170.

 
   
 
 

موقع الميزان