صفحة : 160-163   

الدنيا تعير المحاسن وتسلبها:

وهناك أحداث جليلة تُبْذَل محاولات لنسبتها إلى من أثبتت الوقائع، وتضافرت الشواهد على أنه ليس أهلاً لها، وأمور رذيلة تبذل محاولات لنسبتها إلى من هو منزه عنها..

وقد لاحظنا: كيف أنهم ينسبون فضائل علي «عليه السلام» إلى غيره، مثل كونه أول من أسلم، وكونه قاتل مرحب ، وغير ذلك، كما أنهم يحاولون نسبة بعض النقائص التي ابتلى بها غير علي إلى علي «عليه السلام»، حتى لقد ادعوا أن آية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}([1]) نزلت بحقه([2]).

بل لقد قالوا عنه «عليه السلام»: إنه لا يصلي([3]).

وهذا مصداق قول أمير المؤمنين «عليه السلام»: «إذا أقبلت الدنيا على شخص أعارته محاسن غيره.. وإذا أدبرت سلبته محاسن نفسه»([4]).

وربما يكون الهدف من نسبتها إلى هذا وذاك: تصغير شأن العظيم، وتفخيم شأن الحقير، وذلك بالتشكيك بصدور تلك الفضائل عن فاعلها الحقيقي ونسبتها إلى من يرغبون في تخصيصه بالفضائل والكرامات.. أو يراد إبعاد الشبهة عن المرتكب الحقيقي لبعض الرذائل، فينسبونها إلى من هو برئ منها، تعمداً للإساءة إليه، أو حسداً أو كيداً له، حيث يراد تلويث سمعته تارة، وإثارة الشبهة والريب في انتساب الإنجازات الكبرى التي حققها، إليه تارة أخرى..

وربما تجدهم من أجل هذا الغرض أو ذاك، وحيث لا يمكنهم الإنكار السافر ـ يكتفون بدس كلمة: وقيل: إن فلاناً هو الذي فعل هذا، أو نحو ذلك. ونستطيع أن نورد عشرات الأمثلة على هذا الدس، غير أننا نكتفي بما يلي:

ألف: قالوا عن آية الشراء: نزلت في علي «عليه السلام» في مناسبة مبيته على فراش النبي «صلى الله عليه وآله»، وآية الشراء هي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ([5]).

ثم قالوا: وقيل: نزلت في صهيب ([6]).

ب: لا شك في أن علياً «عليه السلام» هو الذي قتل نوفل بن عبد الله في حرب الخندق أو لحق بهبيرة بن وهب وضربه ففلق هامته.. ولكنهم أضافوا إلى ذلك قولهم: وقيل أن الزبير فعل ذلك.. وقد ذكرنا أننا نشك في صحة ذلك عنه.

ج: ومن ذلك اهتمامهم الشديد بتبرئة أبي لبابة ، وادعاء توبته مما صدر منه، أو التخفيف من وقع خيانته لله ولرسوله، حين أشار إلى بني قريظة أن لا ينزلوا على حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى لقد أنزلوا فيه الآيات، وذكروا له الكرامات، بل زعموا أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان استعمله على قتال بني قريظة ، ثم لما صدرت منه الخيانة استبدله بابن حضير.. ونحن نعلم: أن علياً «عليه السلام» هو الذي قاتلهم، وقتل فرسانهم، وذوي النجدة منهم..

إلا أن يكون أبو لبابة وأسيد بن حضير كانا في جملة أعيان الصحابة الذين هزمهم بنو قريظة شر هزيمة!!

د: ما ذكروه من مشاركة الزبير وغيره في ضرب أعناق بني قريظة ([7])، أو إستقلال سعد بن معاذ في ذلك([8])، مع أن العديد من العلماء يقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» تقدم إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» بضرب أعناقهم في الخندق ، فأخرجوا أرسالاً([9]).

وفي كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» عشرات الموارد التي تدخل في هذا السياق، ولكنها تبقى مجرد رذاذ من قطر، أو نقطة من نهر، أو غَرْفة من بحر.


 

([1]) الآية 204 من سورة البقرة.

([2]) راجع المصادر التالية: النصائح الكافية ص76 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص73 والغارات للثقفي ج2 ص840 وفرحة الغري لابن طاووس ص47 وكتاب الأربعين للشيرازي ص384 وبحار الأنوار ج33 ص215 وكتاب الأربعين للماحوزي ص386 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص263 وشجرة طوبى ج1 ص97 والغدير ج11 ص30 وإكليل المنهج في تحقيق المطلب للكرباسي ص290 وإحقاق الحق (الأصل) ص196 وسفينة النجاة للتنكابني ص303 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج2 ص156.

([3]) المعيار والموازنة ص160 وتاريـخ الأمم والملـوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 = = ص30 والكامل في التاريخ ج3 ص313 وصفين للمنقري ص354 وبحار الأنوار ج33 ص36 والغدير ج9 ص122 و 290 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص752 .

([4]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص4 وبحار الأنوار ج72 ص357 ودستور معالم الحكم لابن سلامة ص25 وينابيع المودة ج2 ص233.

([5]) الآية 207 من سورة البقرة.

([6]) المعجم الكبير للطبراني ج8 ص29 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص729 و 732 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص254 ومعاني القرآن للنحاس ج1 ص152 وتفسير مقاتل ج1 ص108 وجامع البيان ج2 ص437 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص20 وتفسير البيضاوي ج1 ص491 وتفسير الثوري ص66 وأسباب نزول الآيات ص39 و 40 وتفسير الواحدي ج1 ص160 وتفسير البغوي ج1 ص182 وتفسير السمعاني ج1 ص209 وتفسير الثعلبي ج2 ص124 وتفسير السمرقندي ج1 ص163 والمحرر الوجيز ج1 ص281 وزاد المسير ج1 ص203 وتفسير أبي السعود ج1 ص211 والتفسير الكبير ج5 ص223 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص40 وتفسير العز بن عبد السلام ج1 ص204 والتسهيل لعلوم التنزيل ج1 ص76 وتنوير المقباس ص28 وتفسير الجلالين ص43 والإتقان في علوم القرآن ج2 ص385 والعجاب في بيان الأسباب ج1 ص524 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص228 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص222 و 229 وسير أعلام النبلاء ج2 ص22 وتاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص480 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص46 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص192 وج3 ص161 والوافي بالوفيات ج16 ص195 وبحار الأنوار ج22 ص353 وتفسير الميزان ج2 ص99 وقاموس الرجال ج10 ص360 وصفين للمنقري ص324.

([7]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص52 ونهاية الأرب ج17 ص193 وشرح بهجة المحافل ج1 ص275 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص18 وتاريخ الخميس ج1 ص498 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص254 والسيرة الحلبية ج2 ص240 والمغازي للواقدي ج2 ص513 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص22 وتفسير الثعلبي ج8 ص28 وتفسير البغوي ج3 ص524.

([8]) المغازي للواقدي ج2 ص516.

([9]) المغازي للواقدي ج2 ص515 و 516 والإرشاد (ط دار المفيد) ج1 ص111 وبحار الأنوار ج20 ص263 وكشف الغمة ج1 ص208 وكشف اليقين ص135. وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج1 ص252 وإعلام الورى ص93 و 94 والدر النظيم ص169 وإمتاع الأسماع ج1 ص247 ومجمع الزوائد ج6 ص140 عن الطبراني والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص18 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص23 والسيرة الحلبية ج2 ص340 و 341.

 
   
 
 

موقع الميزان