ذكر علي
عليه السلام
في حديث الإفك:
وتزعم عائشة أن
ثمة مَنْ قَرَفَها بالفاحشة، فنزلت الآية التي في سورة النور لتبرئتها،
وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ..﴾([1])
وتستمر اثنتي عشرة آية..
وزعمت:
أن ذلك كان حين الرجوع من غزوة المريسيع ، حيث أضاعت عِقدها، وتخلفت
تبحث عنه، فسار الجيش، وحمل الموكلون هودجها، ولم يشعروا بأنها ليست
فيه، فوجدها صفوان بن المعطل ، فأتى بها إلى المدينة ، فاتهمها
المنافقون به.
فاستشار النبي «صلى الله عليه وآله» علياً وأسامة بن
زيد
في أمرها،
فأشار عليه أسامة بما يعلم من براءة أهله، أما علي فأشار بطلاقها، وأن
يسأل جاريتها بريرة
عن أمرها([2]).
وعن عائشة
وعلي:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي عن بريرة : فتولّ أنت يا علي
تقريرها، تقول عائشة
: فقطع لها علي «عليه السلام» عسباً من النخل، وخلا بها
يسألها عني، ويتهددها ويرهبها، لا جرم إني لا أحب علياً أبداً([3]).
وقال الفخر الرازي :
لما تكلم الناس بالإفك دخل علي «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه
وآله»: «فاستشاره، فقال: يا رسول الله، كنا نصلي خلفك فخلعت نعليك في
أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا، فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع،
فقلنا الموافقة.
فقلت:
أمرني جبرائيل بإخراجها لعدم طهارتها.
فلما أخبرك أن
على نعلك قذراً، وأمرك بإخراج النعل من رجلك، بسبب ما التصق من القذر،
فكيف لا يأمرك بإخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشيء من الفواحش؟!
وفي المشكاة
عن أبي سعيد مثله.
قال الحلبي
:
ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع إحدى نعليه في أثناء الصلاة، لنجاسة
بها، واستمر في الصلاة([4]).
ونقول:
لا ريب في أن
حديث الإفك الذي ترويه عائشة غير صحيح، وإن ورد في كتب الصحاح المعتمدة
عند فريق من المسلمين، بل حتى وإن أورده بعض علماء الشيعة في كتبهم،
مصرحين بالإعتماد عليه، أو مستدلين به.. وقد ذكرنا عشرات الأدلة على
بطلانه في كتابنا: «حديث الإفك»، الذي أوردنا معظمه مع بعض التقليم
والتطعيم في الجزء الثالث عشر من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم
«صلى الله عليه وآله».. فنحن نحيل القارئ الكريم على أحد الكتابين
المشار إليهما، غير أننا نشير بإيجاز إلى بعض ما يرتبط بما نسبوه إلى
أمير المؤمنين «عليه السلام».. فنقول:
أولاً:
إن ملاحظة الروايات تظهر في كلامهم تناقضات كثيرة، نذكر منها:
1 ـ
رواية تقول: إن علياً «عليه السلام» أشار بطلاق عائشة .
وأخرى تقول:
إنه أشار ببراءتها، ولا تذكر عن الطلاق شيئاً، فراجع.
2 ـ
رواية تقول: إنه «عليه السلام» أشار بسؤال بريرة
خادمتها.
وأخرى تقول: إن المشير بذلك هو أسامة بن زيد ، أما علي
فأشار بطلاقها([5]).
3 ـ
رواية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» فوض علياً «عليه السلام» تقرير
الجارية، فخلا بها وقررها..
وأخرى تقول:
إنه «عليه السلام» هو والنبي معاً، خليا بجاريتها، يسألانها عنها([6]).
وثالثة تذكر:
أنه «صلى الله عليه وآله» هو الذي سأل بريرة
فبرأتها.
4 ـ
رواية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا أراد أن يستشير في أمر
أهله، لم يعد علياً وأسامة .
وغيرها يقول:
إنه «صلى الله عليه وآله» استشار أيضاً زيد بن ثابت ، وعمر ، وعثمان
، وأم
أيمن
..
ثانياً:
إن بريرة لم تكن في غزوة المريسيع ، فكيف يشير علي «عليه السلام»
بسؤالها، ويرضى النبي بتقريرها عن أمر قد غابت عنه..
وحتى لو كانت
مع عائشة
في المريسيع ،
فإنها لم تكن معها حين وجدها ابن المعطل
في الصحراء،
وجاء بها إلى المدينة ..
ثالثاً:
لماذا يضرب علي «عليه السلام» الجارية ضرباً شديداً([7])،
وهي لم ترتكب ذنباً، بل لمجرد أن تقر بأمر يرتبط بغيرها، لم يكن لديهم
أي شاهد على حصوله؟! مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حرم التوسل
بالتخويف، والضرب لانتزاع إقرار الناس على غيرهم، فأية قيمة لإقرارها
حتى لو حصل؟! وهل يؤخذ بإقرار الشاهد تحت التهديد والضرب؟!..
ولماذا لم
يقرر عائشة نفسها، ويستعمل معها التهديد وسواه؟!..
رابعاً:
لنفترض: أنها ـ والعياذ بالله ـ اتهمت سيدتها بشيء، فهل يستطيع النبي
«صلى الله عليه وآله» أن يرتب الأثر على اتهامها لها، مع علمه بعدم
حضورها في تلك الغزوة أصلاً..
بل إنها حتى لو حضرت، وفرضنا أن الشهادة مقبولة حتى لو انتزعت بالضرب
والتهديد، فما هي الفائدة من شهادتها، وهي امرأة، وهي شاهد واحد؟!.
ويحتاج الأمر إلى أربعة شهود؟! ولا تقبل شهادة النساء منفردات، أو
شهادة امرأتين بمثابة شهادة رجل واحد.
يضاف إلى ذلك:
إن شهادة الأربعة لا بد أن تكون عن حضور، ومشاهدة، والأمر هنا ليس
كذلك.
خامساً:
إن حديث إخراج النعل في الصلاة لا يدل على أنه يشير على النبي «صلى
الله عليه وآله» بطلاق عائشة ، بل هو على خلاف ذلك أدل، لأن المقصود
بكلامه ليس هو إخراج عائشة من بيته بالطلاق. بل المقصود: أنها إن كانت
قد أساءت، فإن الله تعالى لا بد أن يخبر نبيه بذلك، كما أخبره بنجاسة
رجله في الصلاة، فإن هذا الأمر المتعلق بالعرض أهم من نجاسة الرجل.
([1])
الآية 11 من سورة النور.
([2])
صحيح البخاري (ط سنة 1309) ج3 ص106 ـ 108 وص25 ـ 27 وج4 ص74 و
(ط دار الفكر) ج5 ص55 ـ 57 وج6 ص5 ـ 7 وج8 ص163 والدر المنثور
ج5 ص28 و 29 عن ابن مردويه والطبراني. وراجع: صحيح مسلم (ط دار
الفكر) ج8 ص112 ـ 115 وفتح الباري ج8 ص345 والمعجم الكبير
للطبراني ج23 ص111 ـ 118 و 125 ـ 129 ومجمع الزوائد ج9 ص240 و
236 و 230 والجمل ص157 و 158 و 412 و 426 وعمدة القاري ج17
ص205 وج19 ص81 والمصنف للصنعاني ج5 ص410 ـ 415 ومسند ابن
راهويه ج2 ص516 ـ 525 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص295 ـ 297 وج6
ص415 ـ 417 ومسند أبي يعلى ج8 ص327 ـ 343.
([3])
الجمل لابن شدقم (ط سنة 1420هـ) ص20 ـ 25 والجمل للمفيد ص82
وراجع: المعجم الكبير ج23 ص111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج9 ص236.
([4])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص476 و 477 والسيرة الحلبية ج2 ص306 و
(ط دار المعرفة) ج2 ص625.
([5])
راجع على سبيل المثال: المغازي للواقدي ج2 ص430 والجمل لابن
شدقم ص25 وبحار الأنوار ج20 ص312 ومسند أحمد ج6 ص196 وصحيح
البخاري (ط دار الفكر) ج3 ص155 وج5 ص57 وج6 ص7 و صحيح مسلم (ط
دار الفكر) ج8 ص115 ومجمع الزوائد ج9 ص233 و 238 وعمدة القاري
ج13 ص225 وج17 ص205 وج19 ص81 والديباج على مسلم ج6 ص122
والمصنف للصنعـاني
ج5 ص415 ومسنـد
ابن راهـويـه
ج2
= =
ص521
والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص495 وج5 ص297 وج6 ص417 ومسند أبي
يعلى ج8 ص327 و 343 وصحيح ابن حبان ج10 ص17 والمعجم الكبير
للطبراني ج23 ص53 و 58 و 63 و 68 و 71 و 76 و 80 و 85 و90 و 94
و 99 و 113 و 127 ومسند الشاميين ج3 ص334 والكفاية في علم
الرواية ص58 والدر المنثور ج5 ص25 و 29 وجامع البيان ج18 ص121
وتفسير ابن أبي حاتم ج8 ص2541 وتفسير السمرقندي ج2 ص500 وأحكام
القرآن لابن العربي ج3 ص360 والتفسير الكبير ج23 ص175 وتفسير
القرآن العظيم ج3 ص280 وتفسير الثعلبي ج7 ص74 وأسباب نزول
الآيات ص215 وتفسير البغوي ج3 ص329 ولباب النقول (ط دار إحياء
العلوم) ص155 و (ط دار الكتب العلمية) ص141 وتفسير الآلوسي ج18
ص112.
وراجع:
الثقات لابن حبان ج1 ص291 وتاريخ مدينة دمشق ج5 ص123 وج29 ص333
وسير أعلام النبلاء ج2 ص156 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص314 و
333 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص267 والكامل في التاريخ ج2 ص197
وتفسير السمعاني ج3 ص508 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص275
والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص185
والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص767.
([6])
الجمل للمفيد ص426 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص82.
([7])
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» هامش
2 ج3 ص224 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص194.
|