قال الشيخ المفيد :
روى إبراهيم بن عمر
، عن رجاله،
عن فايد مولى عبد الله بن سالم
، قال:
«لما خرج رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
في عمرة الحديبية
نزل
الجحفة
، فلم يجد بها
ماء، فبعث سعد بن مالك
بالروايا، حتى إذا كان غير بعيد رجع سعد بالروايا، فقال: يا رسول الله،
ما أستطيع أن أمضي، لقد وقفت قدماي رعباً من القوم!
فقال له النبي
«صلى
الله عليه وآله»:
اجلس.
ثم بعث رجلاً
آخر، فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع،
فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: «لم رجعت»؟!
فقال:
والذي بعثك
بالحق، ما استطعت أن أمضي رعباً.
فدعا رسول
الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما، فأرسله
بالروايا، وخرج السقاة وهم لا يشكون في رجوعه، لما رأوا من رجوع من
تقدمه.
فخرج علي
«عليه
السلام»
بالروايا حتى ورد الحرار
([1])
فاستقى، ثم أقبل بها إلى النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وله زجل([2]).
فكبر النبي
«صلى الله
عليه وآله»،
ودعا له بخير»([3]).
ونقول:
1 ـ
لا مبرر لرجوع أولئك الرجال الذين أرسلهم النبي «صلى الله عليه وآله»
لإحضار الماء، بعد أن رأوا من المعجزات الظاهرة لرسول الله «صلى الله
عليه وآله»، ما يدعوهما للتفاني والتنافس في تنفيذ أوامره «صلى الله
عليه وآله» حباً بالفوز برضاه «صلى الله عليه وآله»، ورغبة بالنجاة في
الآخرة..
2 ـ
إن هذه الحادثة تذكرنا أيضاً بما جرى لأبي بكر
وعمر
في
خيبر
وفدك
وقريظة
وذات
السلاسل
، حيث رجعا
بالعسكر منهزمين، يجبن بعضهم بعضاً.
3 ـ
إن علياً «عليه السلام» وحده هو الذي كان الله ورسوله وجهاد في سبيله
أحب إليه من كل شيء حتى من نفسه، وكانت لذته وسعادته في طاعة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، ونيل رضا الله تبارك وتعالى.. وقد ظهرت آثار هذه
السعادة حين أقبل بالروايا وله زجل، أي رفع الصوت الطَّرِب..
4 ـ
لا ندري لماذا كتمت الرواية اسم الشخص الثاني الذي أرسله النبي «صلى
الله عليه وآله» بالروايا، فرجع خائفاً منهزماً؟! مع أنها ذكرت اسم
الأول، وهو سعد بن مالك
،
وذكرت اسم الثالث، وهو علي «عليه السلام»، فهل هو من الفئة التي تعودنا
التعصب لها من بعض الفئات إلى حد تزوير الحقائق، إن لم يمكن إخفاؤها؟!
هل هو أبو بكر
، أو
عمر مثلاً؟!
ونود أن لا
تذهب بنا الظنون، فنحسب أن ذكر سعد بن مالك كان للتمويه وإبعاد الشبهة
عمن يحبون؟!
([1])
الحرار: جمع حرة، وهي أرض ذات أحجار سود نخرة. الصحاح ج2 ص626.
([2])
الزجل: رفع الصوت الطرب. لسان العرب ج11 ص302.
([3])
الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص121 و 122 وبحار
الأنوار ج20 ص359 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص623 وكشف الغمة
ج1 ص210 والإصابة ج3 ص199 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص88 وكشف
اليقين ص139.
|