وقالوا
أيضاً:
«وفي
هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو
إلى
النبي
«صلى الله عليه وآله»،
فقال له: يا محمد، إن أرقاءنا لحقوا بك، فارددهم علينا.
فغضب رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
حتى تبين الغضب في وجهه، ثم قال: لتنتهن ـ يا معشر قريش
ـ أو
ليبعثن الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابكم على
الدين.
فقال بعض من
حضر:
يا رسول الله،
أبو بكر
ذلك الرجل؟!
قال:
لا.
قيل:
فعمر
؟!
قال:
لا، ولكنه خاصف النعل في
الحجرة.
فتبادر الناس إلى الحجرة ينظرون من الرجل!! فإذا هو
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
«عليه
السلام»..».
وروى جماعة هذا الحديث عن أمير المؤمنين
«عليه
السلام»،
وقالوا فيه: إن علياً قص هذه القصة، ثم قال: سمعت رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
يقول: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
وكان الذي أصلحه أمير المؤمنين من نعل النبي
«صلى الله
عليهما
وآلهما»
شسعها، فإنه كان انقطع، فخصف موضعه، وأصلحه»([1]).
ونلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ
إن النبي «صلى
الله عليه وآله»
قد غضب هذا الغضب الشديد، انتصاراً منه لأناس مستضعفين، ظلمهم أسيادهم
بحرمانهم من حق الحرية الإعتقادية والدينية.
ولا يقف الأمر
عند هذا الحد، بل هو يهدد قريشاً
، التي كانت ترى نفسها سيدة المنطقة العربية بأسرها،
وترى أن لها الحق ـ من موقعها الديني، وكذلك من موقع مالكيتها لأولئك
الأرقاء ـ أن يكون القرار الأول والأخير بالنسبة لأرقائها بيدها، لا
ينازعها فيه أحد..
والناس يعترفون لها بهذا
وذاك، ويقرونها على ما تزعمه لنفسها..
نعم، إن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
ليس فقط لا يعترف لها بشيء مما تزعمه لنفسها ويزعمه الناس لها، وإنما
هو يعطي لنفسه الحق في شن حرب كاسحة، ومدمرة، يريد لها أن تنتهي بضرب
رقاب نفس هؤلاء الأسياد المتسلطين، حتى لو كانوا من قريش
، أو
كانوا سدنة البيت
، لمجرد ضمان حرية الفكر والعقيدة حتى لمن هم عبيد
أرقاء لهم، وقد اشتراهم أولئك الناس بأموالهم. لأن ملكيتهم لهم لها
حدود وقيود، ولا تصل إلى حد منعهم من التفكير، والتدخل في اعتقاداتهم.
2 ـ
إنه
«صلى الله
عليه وآله»
يهدد قريشاً
بطريقة
تجد فيها الشواهد على جدية ذلك التهديد، وأنه يسير باتجاه التنفيذ، حيث
صرح لها: بأن من يتولى تنفيذ هذا القرار هو من نفذ مهمات مشابهة بكل
دقة وأمانة وحزم.. ولم تزل تشهد قريش والمنطقة
بأسرها آثار جهده وجهاده، طاعة لله ولرسوله..
3 ـ
إنه
«صلى الله
عليه وآله»
يصوغ هذا التهديد بطريقة تستدعي طرح الأسئلة لمعرفة المزيد من الأوصاف،
أو تدعو للتصريح باسم هذا الذي أشار إليه..
4 ـ
لا ندري، فلعل
طرح اسمي أبي بكر ، وعمر ، ليجيب النبي
«صلى الله
عليه وآله»
بنفي أن يكونا مرادين في كلامه، قد جاء من قبل شخص يريد أن يسمع الناس
هذا التصريح، لقطع دابر الكيد الإعلامي الذي قد يمارسه ذلك الحزب الذي
عرف بالانحراف عن علي
«عليه
السلام»
منذ بدايات الهجرة، وربما قبل ذلك أيضاً.
أو أنه كان يريد أن يظهر مقام
الخليفتين من رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى إن اسمهما ليطرح قبل
أن يطرح اسم أي رجل آخر.
ولعل النبي
«صلى الله
عليه وآله»
قد عرَّف بعض أهل السر عنده بما يدبره هؤلاء في الخفاء، مما له مساس
بمستقبل الدين والأمة، فكان بعض أهل السر يشعرون بأنه لا بد من إيضاح
الأمور للناس بطريقة أو بأخرى، ليتحملوا مسؤولياتهم، بعد أن تكون الحجة
عليهم قد تمت..
5 ـ
يسجل النبي
«صلى
الله عليه وآله»
هذا الوسام الرائع لأمير المؤمنين
«عليه
السلام»
في إطار فريد ورائع، حين بيَّن أن هذا الذي يستطيع أن يضرب رقاب قريش على
الدين، ليس ممن يرغب في شيء من حطام الدنيا، وليس هو ممن يميِّزون
أنفسهم عن الآخرين..
وهو إنسان لا يمدح بكثرة المال، ولا بشيء مما يمدح به
أهل الدنيا، ولا يحتاج في استحضار صورته إلى أي إطار تظهر عليه
الألوان، والأشكال، والزخرفات، بل هو يظهر في صورته وهو يخصف نعلاً..
وهي صورة لا يتوقعون ظهور الحاكم والقائد والرئيس فيها في أي من الظروف
والأحوال.
واللافت:
أن هذه النعل
التي يخصفها ليست له، وإنما هي لغيره، إنها لرسول الله
«صلى الله
عليه وآله»..
الأمر الذي يشير إلى طبيعة نظرته لنفسه، ويؤكد صحة ما يلهج به، حيث
يقول: أنا عبد من عبيد محمد([2]).
6 ـ
إن قوله
«صلى
الله عليه وآله»
عن أولئك المستضعفين:
«هم
عتقاء الله»
يستبطن أمرين:
أحدهما:
أنه ليس هو
المسؤول عنهم، ولا المطالب بهم، بل هم الذين خرجوا وفروا من سلطان قريش
، وليس لقريش أن تطالبه بأن يبسط سلطتها على أرقائها،
ولا استنابته بملاحقتهم كلما هربوا منها.
وبنود صلح الحديبية لا
تشمل هؤلاء؛ لأنهم قد هربوا من قريش قبل
عقده، والصلح إنما يعالج الحالات التي تحدث بعد توقيعه.
الثاني:
أن إسلامهم هو الذي أعتقهم، فإن العبد إذا أسلم في دار
الحرب قبل مولاه، فالمروي: أن ذلك من أسباب عتقه، خصوصاً إذا خرج إلى
دار الإسلام قبله([3]).
وهؤلاء قد أسلموا وخرجوا إلى دار الإسلام قبل أسيادهم،
وهذا معناه: أنه لا سلطة لقرية
عليهم، لأنهم خرجوا عن صفة الرق باختيارهم الإسلام. فلا يجوز لرسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
أن يرجعهم إليه، أو أن يساعد على ذلك؛ لأن ذلك عدوان عليهم، ومصادرة
لحرياتهم، بل أصبح من واجبه
«صلى الله
عليه وآله»
الدفاع عنهم، والمنع من ظلمهم، ومن استعبادهم.
([1])
الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص122 و 123 وأشار في
هامشه إلى: كفاية الطالب ص96 ومصباح الأنوار ص121 وباختلاف
يسير في سنن الترمذي ج5 ص297 وإعلام الورى ص191 وفي (ط أخرى)
ص372 وتاريخ بغداد ج1 ص133 والمستدرك على الصحيحين ج4 ص298
وبحار الأنوار ج20 ص360 و 364 وج32 ص301 وج36 ص33 وج38 ص247
والإفصاح ص135 والعمدة لابن البطريق ص224 وعوالي اللآلي ج4 ص88
وكتاب الأربعين للماحوزي ص241 ودرر الأخبار ص174 وخصائص الوحي
المبين لابن البطريق ص239 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص623
والمناقب للخوارزمي ص128 وكشف الغمة ج1 ص211 ونهج الإيمان ص523
وكشف اليقين ص106.
([2])
الكافي ج1 ص90 وشرح أصول الكافي ج3 ص130 و 131 والإحتجاج ج1
ص313 وعوالي اللآلي ج1 ص292 والفصول المهمة في أصول الأئمة ج1
ص168 وبحار الأنوار ج3 ص283 ونور البراهين ج1 ص430 ومستدرك
سفينة البحار ج7 ص64 وميزان الحكمة ج1 ص144 وج4 ص3207 ونور
الثقلين ج5 ص233.
([3])
سنن البيهقي ج9 ص229 و 230 وراجع: تهذيب الأحكام ج6 ص152
والنهاية للطوسي ص295 والوسائل كتاب الجهاد ج11 ص89 والتنقيح
الرائع ج3 ص256 والسرائر ج2 ص10 و 11 ومسالك الأفهام ج10 ص357
و
= =
358
وشرائع الإسلام كتاب العتق وكتاب الجهاد، وكنز العرفان (ط
مؤسسة آل البيت) ج2 ص129 وعوالي اللآلي ج3 ص187.
|