صفحة : 232-234   

حديث امتناع علي عليه السلام:

تقدم قولهم: إن علياً «عليه السلام» امتنع عن محو اسم النبي «صلى الله عليه وآله»، وذكرنا بعض مصادره، ويضيف ابن حبان : أنه «صلى الله عليه وآله» أمر علياً «عليه السلام» بمحو اسمه مرتين، فأبى ذلك فيهما معاً([1]).

قال السرخسي : «وطاب لأتباع المذاهب أن يقولوا لشيعة علي «عليه السلام»: إذا كنتم قد استطعتم أن تحشدوا الشواهد المتواترة، بل التي لا تكاد تحصى على مخالفات صريحة، وقبيحة، ومؤذية للصحابة الكبار، فإن علياً «عليه السلام» قد وقع بنفس المحذور، حين امتنع عن طاعة أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الحديبية بمحو اسمه الشريف([2]).

وفي سؤال وجه للسيد المرتضى ، جاء ما يلي: «..ليس يخلو، إما أن يكون قد علم أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، وتقتضيه الحكمة والبينات، وأن أفعاله عن الله سبحانه وبأمره، أو لم يعلم.

فإن كان يعلم، فلمَ خالف ما علم؟!

وإن كان لم يعلمه، فقد جهل ما تدَّعيه العقول من عصمة الأنبياء عن الخطأ، وجوَّز المفسدة فيما أمر به النبي «صلى الله عليه وآله» لهذا، إن لم يكن قطع بها.

وهل يجوز أن يكون أمير المؤمنين «عليه السلام» توقف عن قبول الأمر، لتجويزه أن يكون أَمْرُ النبي «صلى الله عليه وآله» معتَبِراً له ومختبراً؟! مع ما في ذلك لكون النبي «صلى الله عليه وآله» عالماً بإيمانه قطعاً، وهو خلاف مذهبكم، ومع ما فيه من قبح الأمر على طريق الاختبار بما لا مصلحة في فعله على كل حال.

فإن قلتم: إنه يجوز أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد أضمر محذوفاً، يخرج الأمر به من كونه قبيحاً.

قيل لكم: فقد كان يجب أن يستفهم ذلك، ويستعلمه منه، ويقول: فما أمرتني قطعاً من غير شرط أضمرته أولاً»([3]).

ونقول:

أولاً: لقد أجاب السيد المرتضى بما يتوافق مع مذاق المعترض في نظرته للأمور، ونوضح مراده على النحو التالي:

لو سلمنا: صدور هذا الأمر، فإن إمتناع وتوقف علي «عليه السلام» عن المحو لا يدل على عدم عصمته، لأنه جوَّز أن يكون أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بالمحو ليس أمراً حقيقياً، بل مجاراة لسهيل ، لا لأنه «صلى الله عليه وآله» يُؤْثِر ذلك.. فتوقف حتى يظهر: أنه مُؤْثِرٌ له.

وتوقفه هذا يقوم مقام الإستفهام، لتتأكد له حقيقة هذا الطلب، وأنه أمر حقيقي، أو ليس بحقيقي([4]). لا سيما وأنه «عليه السلام» يعلم أن المحو هو رغبة المشركين، وليس رغبة النبي «صلى الله عليه وآله».

قال العيني عن قوله «عليه السلام»: «ما أنا بالذي أمحاه: ليس بمخالفة لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»؛ لأنه علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب»([5]).

وقال القسطلاني ، والنووي : «قال العلماء: وهذا الذي فعله علي من باب الأدب المستحب، لأنه لم يفهم من النبي «صلى الله عليه وآله» تحتُّم محوٍ على نفسه، ولهذا لم ينكر عليه، ولو حتم محوه لنفسه لم يجز لعلي تركه، ولا أقره النبي «صلى الله عليه وآله» على المخالفة»([6]).

ثانياً: إن المسارعة للمحو قد لا تكون مستحبة، ولعل النبي «صلى الله عليه وآله» كان يرغب بهذا التلبث والتريث، ليظهر به أن اصحاب النبي «صلى الله عليه وآله»، لا يرضون بأن يتعرض النبي «صلى الله عليه وآله» لكسر كلمته، وإهانته وإظهار ضعفه، ثم يكون إصراره «صلى الله عليه وآله» على المحو هو الذي يحسم الأمر.. فلم يكن هذا المحو بسبب قوة المشركين وضعف عزيمة المسلمين، بل كان تفضلاً وتكرماً من الرسول، ورفقاً وسجاحة خلق..

ثالثاً: قد يكون الأمر للتخيير، مثل جالس الحسن وابن سيرين، وقد يكون للإباحة، مثل قوله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا([7]).. وكالأمر عقيب الحظر، أو عقيب توهمه. وهو هنا من هذا القبيل، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد رفع الحظر عن محو اسمه بقوله: «امحه». وهو لا يدل على أكثر من إباحة ذلك..

ثالثاً: إن هذه القضية موضع شك وريب من أساسها، وذلك لأسباب عديدة، سوف نوردها في الفقرة التالية..


 

([1]) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج11 ص222 و 223.

([2]) أصول السرخسي ج2 ص135.

([3]) رسائل الشريف المرتضى ج1 ص441 و 442.

([4]) رسائل الشريف المرتضى ج1 ص442.

([5]) رسائل الشريف المرتضى ج1 ص443.

([6]) شرح صحيح مسلم للنووي ج12 ص135.

([7]) الآية 15 من سورة الملك.

 
   
 
 

موقع الميزان