صفحة : 235-243   

الشك فيما ينسب لعلي عليه السلام:

إن شكنا في صحة ما ينسب إلى علي «عليه السلام» يستند إلى الأمور التالية:

أولاً: إن علياً «عليه السلام» يقول: «لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد: أني لم أردَّ على الله ولا على رسوله ساعة قط الخ..»([1]).

وأما عدم محو اسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين قال له «صلى الله عليه وآله» فالظاهر أنه «عليه السلام» عرف أن أمر يفيد اباحة هذا الفعل لعلي «عليه السلام». وان الأمر يعود إليه «عليه السلام» وأنه لا مانع عند النبي «صلى الله عليه وآله» من محو الإسم..

وقال المعتزلي ـ وهو يشير إلى اعتراضات بعض الصحابة على النبي «صلى الله عليه وآله» في الحديبية ـ: «إن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه، والناس كلهم رووه»([2]).

ويؤكد ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يقول: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث دار»، أو «علي مع القرآن، والقرآن مع علي»، ونحو ذلك([3]). فإن من يكون مع الحق ومع القرآن، لا يمكن أن تصدر منه مخالفة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ولا عصيان لأمره.

ويؤكد مدى طاعة علي للرسول «صلى الله عليه وآله»، قوله «عليه السلام»: أنا عبد من عبيد محمد([4]).

فهل يمكن أن يقارن من هذا حاله بمن يقول عن نفسه: أنا زميل محمد؟!([5]).

وقد بلغ في التزامه بحرفية أوامره «صلى الله عليه وآله»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال له في خيبر : «اذهب ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك».

فمشى هنيهة، ثم قام ولم يلتفت للعزمة، ثم قال: علام أقاتل الناس؟

قال النبي «صلى الله عليه وآله»: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله([6]).

وقال ابن عباس لعمر ، عن علي «عليه السلام»: إن صاحبنا من قد علمت، والله إنه ما غيَّر ولا بدل، ولا أسخط رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيام صحبته له([7]).

ولو أنه خالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الحديبية ، لكان النبي «صلى الله عليه وآله» سخط منه، ولم يصح قول ابن عباس هذا.

ثانياً: إن الساعين للطعن في علي «عليه السلام»، وتقبيح ما يصدر منه والتحايل عليه، لا يحدهم حد، ولا يقعون تحت عد، فلو كان قد صدر منه أمر قبيح لكانوا قد ملأوا الدنيا بأرجازهم وأزجالهم، ولكانوا قد تفننوا وتفاصحوا في خطبهم الطنانة والرنانة في لومه، وتوجيه الإهانات له، والغمز من قناته..

ثالثاً: إن النصوص ليست على نسق واحد في بيانها لهذا الأمر، بل في بعضها تصريح بما يكذب هذه النسبة..

فقد أظهرت بعض النصوص: أن اعتراض سهيل، قد أحفظ المسلمين، فبادر بعضهم للإمساك بيد علي «عليه السلام» ومنعه من الكتابة([8]).

وإن كنا نرى أن الأوفق بالطاعة هو انتظار أمر النبي «صلى الله عليه وآله» لا المبارزة إلى الإمساك بيد علي «عليه السلام»..

وفي بعضها: أن سهيلاً هو الذي طلب من علي «عليه السلام» محو الاسم الشريف، فرفض «عليه السلام» طلبه.

فبادر «صلى الله عليه وآله» للطلب من علي أن يضع يده على اسمه الشريف، حسماً للنزاع، وإعزازاً منه لعلي «عليه السلام»([9]).

وعن علي «عليه السلام»: أن المشركين هم الذين راجعوه في هذا الأمر([10]).

رابعاً: في نص آخر: أن علياً «عليه السلام» هو الذي محا الكلمة، وقال للنبي «صلى الله عليه وآله»: لولا طاعتك لما محوتها([11]).

ولعل الجدال الذي جرى بين علي «عليه السلام» وسهيل قد انتهى بتدخل الصحابة للإمساك بيد علي «عليه السلام»، ثم تدخل النبي «صلى الله عليه وآله» بقوله:

ضع يدي عليها، وبذلك يكون قد حفظ أصحابه، ولم يعطل عملية الصلح.

ويؤيد ذلك: أن علياً «عليه السلام» قد محا عبارة: بسم الله الرحمان الرحيم، وكتب: باسمك اللهم، قائلاً: لولا طاعتك لما محوتها، فمن يقول هذا كيف يعصيه بعد لحظات؟! فإن الطاعة إذا كانت تدعو لمحو الأولى، فهي تدعو لمحو الثانية، خصوصاً إذا كان ذلك في مجلس واحد.

كما أن من يرضى بمحو الأولى التي هي الأصعب، لماذا لا يرضى بمحو الثانية؟!

خامساً: لنفترض: أن سهيل بن عمرو طلب من علي ذلك، ورفض علي طلبه، ثم قال له النبي «صلى الله عليه وآله»:

امحها.. فإن هذا القول لا يدل على إلزام علي «عليه السلام» بالمحو، بل هو يدل على رفع الحظر، أي أنه أصبح يستطيع أن يمحو إذا شاء.. فقد أوكل الأمر إليه.

فإذا بادر الصحابة للإمساك بيد علي «عليه السلام» ليمنعوه من اختيار هذا الطرف ـ وهو طرف المحو ـ فإن تدخل النبي «صلى الله عليه وآله» بقوله:

ضع يدي عليها، يكون قد أتى لرفع الحرج عن علي «عليه السلام» مع اخوانه من الصحابة، وإرادة إعزازه، وتعلية شأنه، مقابل سهيل بن عمرو .

سادساً: إن العديد من النصوص والروايات لم تشر إلى امتناع علي «عليه السلام» عن محو الإسم الشريف، بل ساقت الحديث على أساس الأمر، وطاعة الأمر، ولا شيء سوى ذلك، فراجع، ما ذكره ابن حبان ، وما روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»([12])، واليعقوبي ، وابن كثير ، وغيرهما تجد طائفة من هذه النصوص المروية عن:

الزهري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومروان بن الحكم ، والمسور بن مخرمة ، وهو المروي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أيضاً([13]).

 


 

([1]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص196 و 197 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص179 و 180 وغرر الحكم ج2 ص288 وشرح أصول الكافي ج12 ص454 وبحار الأنوار ج38 ص319 والأنوار البهية ص50 والمراجعات ص330 وينابيع المودة ج1 ص265 وج3 ص436.

([2]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص180.

([3]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص303 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص72 وعبقات الأنوار ج2 ص324 عن السندي في دراسات اللبيب ص233 وكشف الغمـة ج2 ص35 وج1 ص141 ـ 146 والجمـل ص81 وتاريـخ بغـداد ج14  = = ص321 والمستدرك ج3 ص119 و 124 وربيع الأبرار ج1 ص828 و 829 ومجمع الزوائد ج7 ص234 ونزل الأبرار ص56 وفي هامشه عنه وعن: كنوز الحقائق ص65 وعن كنز العمال ج6 ص157 وملحقات إحقاق الحق ج5 ص77 و 28 و 43 و 623 و 638 وج 16 ص384 و 397 وج4 ص27 عن مصادر كثيرة جداً.

([4]) بحار الأنوار ج3 ص283 والتوحيد للصدوق ص174 والإحتجاج ج1 ص496 والكافي ج1 ص90 وشرح أصول الكافي ج3 ص130 و 131 وعوالي اللآلي ج1 ص292 والفصول المهمة ج1 ص168 وبحار الأنوار ج3 ص283 وعن ج108 ص45 ونور البراهين ج1 ص430.

([5]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص291 والغدير ج6 ص212 ومكاتيب الرسول ج1 ص590 وج3 ص716 والفايق في غريب الحديث ج1 ص400 وج2 ص11.

([6]) راجع: أنساب الأشـراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص93 والإحسـان بترتـيـب = = صحيح ابن حبان ج15 ص380 وإسناده صحيح، ومسند أحمد ج2 ص384 ـ 385 وصحيح مسلم ج7 ص121 وسنن سعيد بن منصور ج2 ص179 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص58 و 59 و 57 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص159 والغدير ج10 ص202 وج4 ص278 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200 ومسند الطيالسي ص320 والطبقات الكبرى ج2 ص110 وشرح أصول الكافي ج6 ص136 وج12 ص494 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص503 والأمالي للطوسي ص381 والعمدة ص143 و 144 و 149 والطرائف ص59 وبحار الأنوار ج21 ص27 وج39 ص10 و 12 والنص والإجتهاد ص111 وعن فتح الباري ج7 ص366 والسنن الكبرى ج5 ص111 ورياض الصالحين ص108 وكنز العمال ج1 ص86 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص82 و 83 و 84 و 85 والبداية والنهاية ج4 ص211 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص352 وجواهر المطالب ج1 ص178 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 وينابيع المودة ج1 ص154.

([7]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص51 ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج5 ص229 وج13 ص454 وحياة الصحابة ج3 ص249 عنه وعن الزبير بن بكار في الموفقيات، وقاموس الرجال ج6 ص25 والدر المنثور ج4 ص309.

([8]) المغازي للواقدي ج2 ص610 و 611 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص54 وإمتاع الأسماع ج1 ص296 وغاية البيان في تفسير القرآن ج6 ص58 و 59 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص43 والسيرة الحلبية (ط المعرفة) ج2 ص708.

([9]) راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص149 وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج8 ص419 وج23 ص461 والأمالي للطوسي ص190 و 191 وبحار الأنوار ج33 ص316 وراجع ج20 ص357 والخرايج والجرايح ج1 ص116 وصفين للمنقري ص509 ومكاتيب الرسول ج1 ص87.

([10]) صفين للمنقري ص508.

([11]) كشف الغمة ج1 ص310 و (ط دار الأضواء) ج1 ص209 والإرشاد للمفيد ص120 وبحار الأنوار ج20 ص359 و 363 و 357 وعن إعلام الورى ص97 وكشف الغطاء (ط.ق) ج1 ص15.

([12]) الثقات ج1 ص300 و 301 وراجع: الكافي ج8 ص269 عن الإمام الصادق «عليه السلام» مع بعض إضافات وتغييرات لا تضر. وبحار الأنوار ج20 ص368 ونور الثقلين ج5 ص68 وتفسير البرهـان ج4 ص194 والإكتفاء = = للكلاعي ج2 ص240 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص166 وحياة محمد لهيكل ص374 وإكمال الدين ص50.

([13]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص54 وراجع: البداية والنهاية ج7 ص277 و 281 وروح المعاني ج9 ص50 والكشاف ج3 ص542.

وحول النص المنقول عن الزهري راجع: تاريخ الأمم والملوك ج5 ص634 والبداية والنهاية ج4 ص168 وأنساب الأشراف ج1 ص349 و 350 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص331 و 332 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص320 و 321 والمستدرك للحاكم ج3 ص153 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) ومسند أحمد ج1 ص86.

وحول النص المنقول عن ابن عباس راجع: الرياض النضرة المجلد الثاني ص227 وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص522 ومسند أحمد ج1 ص342 وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص148 و 149 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص200 عن أحمد، وأبي داود، والمستدرك للحاكم ج3 ص151 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) وصححاه على شرط مسلم، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص192.

وروايتا أنس ومروان والمسور توجدان معاً أو إحداهما، أو بدون تسمية، في المصادر = = التالية: صحيح البخاري ج2 ص79 و 78 والمصنف للصنعاني ج5 ص337 ومسند أحمد ج3 ص268 وج4 ص330 و 325 وجامع البيان ج25 ص63 والدر المنثور ج6 ص77 عنهم، وعن عبد بن حميد، والنسائي، وأبي داود، وابن المنذر، وصحيح مسلم ج5 ص175.

وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص128 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص370 و 371 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص198 و 200 والبداية والنهاية ج4 ص175 ومختصر تفسير ابن كثير ص351 و 352 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص333 والسنن الكبرى الكبرى ج9 ص220 و 227 وتاريخ الخميس ج1 ص21 عن المدارك، وتفسير الخازن ج4 ص156 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص105 و 146 و 147 والإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ج11 ص222 و 223 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص277 وبهجة المحافل ج1 ص316 وزاد المعاد ج2 ص125 ومسند أبي عوانة ص241.

وحول ما روي عن علي «عليه السلام» وغيره راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص232 وقريب منه مـا في ينابيع المـودة ص159 ومسند أحمـد ج4 ص86 و 87 ومجمع الزوائد ج6 ص145 وقال: رواه أحمد ورجاله الصحيح.

ومختصر تفسير ابن كثير ص347 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص192 وتفسير المراغي ج 9 ص107 والدر المنثور ج6 ص78 عن أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن جرير، وأبي نعيم في الدلائل، وابن مردويه.

 
   
 
 

موقع الميزان