صفحة : 300   

اللهم لا مانع لما أعطيت:

ذكرت بعض النصوص المتقدمة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل عمر إلى اليهود مرتين:

إحداهما: قبل أبي بكر .

والثانية: بعده.

فهل فعل النبي «صلى الله عليه وآله» ليسقط دعاوى عمر  لنفسه الشدة والصلابة؟!

أو أنه أراد بذلك أن يسد الطريق على الأعذار التي قد يتعلل بها عمر لهزيمته في المرة الأولى؟! أو أنه قصد الأمرين معاً؟!

2 ـ هل كان إرسال أبي بكر لمهاجمة الحصن الخيبري، لكي لا يدعي محبوه له الشجاعة النادرة، لمجرد أنه قال لعمر : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد مات بعد أن كان عمر قد أنكر موته في غياب أبي بكر ، أو لأنه كان مع النبي «صلى الله عليه وآله» في العريش ، أو نحو ذلك.

وقد ظهر من هزيمته، وهزيمة صاحبه هنا، بالإضافة إلى هزائمهما في قريظة ، وأحد ، وحنين ، وسواهما، ونكولهما عن عمرو بن عبد ود في الخندق .. ظهر أن هذا هو طبعهما الحقيقي.. وأن توثبهما للراية حين أعطاها النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي في خيبر لم يكن في محله، بل كان توثباً لما يريدان أن يحصلا عليه من دون مخاطر..

ولربما يكون ادِّعاء هذا التوثب قد جاء متأخراً منهما، ليستردا بعض ماء الوجه الذي فقداه بهزيمتهما في اليومين الأولين.

وعلى كل حال، فإن هذين الرجلين كانا قد أثبتا بصورة عملية، وبنحو قد تكرر، وتقرر أنهما ليسا من السنخ الذي يفتح الله على يديه الحصون، وتقر بقلع أبوابها العيون..

بل الذي يقوم بهذه المهمات الجسام، هو من نزل فيه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}([1]).

ومن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ومن هو كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه..

وهو ذلك الذي لا مطمع له بالدنيا، ولا أرب له بشيء من حطامها، ومن يرضى بما قسم الله تعالى له، ويرى أن ما به من نعمة فمن الله، وفق ما صرح به حين قال: «اللهم لا مانع لما أعطيت».


 

([1]) الآية 207 من سورة البقرة.

 
   
 
 

موقع الميزان