صفحة : 314-318   

ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم:

ويقولون: لما قال النبي «صلى الله عليه وآله»: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، قال عمر : ما أحبب الإمارة إلا ذلك اليوم([1]).

ونقول:

هناك دلائل تشير إلى ما يخالف هذا القول من عمر ، فلاحظ ما يلي:

أولاً: لما جاء وفد ثقيف إلى المدينة ، وقال لهم النبي «صلى الله عليه وآله»: لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلاً مني، وفي رواية: مثل نفسي، فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم..

قال عمر : فوالله، ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ، وجعلت أنصب صدري له، رجاء أن يقول: هو هذا.

فالتفت النبي «صلى الله عليه وآله» إلى علي «عليه السلام»، وقال: هو هذا، هو هذا([2]).

فكيف يقول عمر عن نفسه في واقعة خيبر : ما تمنيت الإمارة إلى يومئذ؟!

ثانياً: هل كان عمر زاهداً في الإمارة أيضاً حين هاجم بيت الزهراء في أحداث السقيفة ، واعتدى عليها بالضرب، وتسبب في إسقاط جنينها محسن ، بل في استشهادها؟!

وهل كان يريد رضا الله تعالى بذلك؟! والنبي «صلى الله عليه وآله» يقول عن فاطمة «عليها السلام»: من أغضبها فقد أغضبني..

وكيف نفسر قول علي «عليه السلام» له حينئذٍ: احلب حلباً لك شطره؟!([3]).

وكيف نفسر أيضاً قوله «عليه السلام» عنه وعن أبي بكر : لشد ما تَشَطَّرَا ضَرْعَيْها([4])، أي الخلافة والإمارة.

وهل يرضى محبوه أن نقول: إنه حين قال: ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ كان يقصدها قبل وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله». فلا مانع من أن تحلو الدنيا في عينيه بعد ذلك، ثم يفعل ذلك كله من أجل الإمارة!! وألا يعدون ذلك طعناً فيه، وإهانة له؟!

ثالثاً: أليس قد منح النبيُّ عُمَرَ الفرصة مرة بل مرتين على بعض الروايات، وأعطاه الراية، وأمره على الجيش وأرسله لمهاجمة اليهود ؟! فما معنى تمنيه لهذه الإمارة مرة أخرى.. وهو قد تأمر بالأمس، وهرب هو ومن معه؟!

ولماذا لم يقم بمقتضيات هذه الإمارة التي أذلها وأسقطها بهزيمته بمن معه؟! أم أنه أراد أن يظهر حرصه على الفوز بحب الله ورسوله.. ليرى الناس أنه ليس زاهداً بهذا الأمر، كما ربما يوحي به فِراره بالأمس، فإن ذلك الفرار كان نزوة عارضة، هو يعمل على تلافي آثاره، وتصحيح مساره؟!

في حين أن عمر كان يعلم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» واقف على حقيقة الحال.. وأن الفرار هو ديدن هؤلاء الناس، لأنهم لا يحبون الله بالمستوى المطلوب، وهو بسبب معرفته هذه لن يختاره مرة أخرى، لا هو ولا غيره من الفارين، فإن المؤمن لا يلدغ من جُحرٍ مرتين، كما أن نفس كلام النبي «صلى الله عليه وآله» وحديثه عن الفرَّارين من جهة، ثم حديثه عن الذين لا يخزيهم الله أبداً.. وغير ذلك يدل دلالة قاطعة على أنه «صلى الله عليه وآله» سوف لا يختار من هو فَـرار، ويولي الدبر.. و.. و.. بل سوف يختار الذي يحبه الله ورسوله..

فما معنى أن يتطاول لها عمر ، وأن يبادر إلى طلبها؟! إلا إن كان يريد أن يلقي بالتبعة في هزيمته على الذين كانوا معه، ويبرئ نفسه منها؟! أو أن هذه الدعاوى قد جاءت بعد ذلك بزمان، بهدف استعادة بعض ماء الوجه للخليفة الثاني، كما أشرنا إليه..


 

([1]) السيرة الحلبية ج3 ص35 وراجع: شرح أصول الكافي ج6 ص136 و 137 و 494 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص503 وأمالي الطوسي ص380 والعمدة ص144 و 149 والطرائف لابن طاووس ص59 وبحار الأنوار ج21 ص27 وج39 ص10 و 12 وكتاب الأربعين للماحوزي ص290 ومقام الإمام علي للعسكري ص30 و 42 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص229 وأضواء على الصحيحين ص432 وعن صحيح مسلم ج7 ص121 وعن فتح الباري ج7 ص47 و 365 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص11 و 180 وعن خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص57 ورياض الصالحين للنووي ص108 وعن تفسير ابن كثير ج1 ص377 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص459 وج42 ص83 و 84 وعن الإصابة ج4 ص466 وعن البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص372 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص422 وعن عيون الأثر ج1 ص291 ونشأة التشيع ص120 وعن التاج الجامع للأصول ج3 ص331 ورواه الشيخان.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص35 وراجع: الطرائف لابن طاووس ص65 وبحار الأنوار ج38 ص325 وج40 ص80 والمناقب للخوارزمي ص136 ونهج الإيمان لابن جبر ص481 والعدد القوية للحلي ص250 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص60 وقال في الهامش: روى الحديث في أواسط ترجمة أمير المؤمنين «عليه السلام» من كتاب الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص46 وأما عبد الرزاق فروى الحديث في فضائل علي «عليه السلام» تحت الرقم 2389 من كتاب المصنف ج11 ص226، وليلاحظ: ترجمة أمير المؤمنين «عليه السلام» من تاريخ دمشق ج2 ص373.

([3]) راجع: الإحتجاج ج1 ص96 والصراط المستقيم ج2 ص225 وج3 ص11 و 111 وكتاب الأربعين للشيرازي ص173 وبحار الأنوار ج28 ص285 و 388 وج29 ص522 و 626 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص400 والسقيفة للمظفر ص89 والغدير ج5 ص271 ونهج السعادة ج5 ص210 ومكاتيب الرسول ج3 ص708 وتثبيت الإمامة ص17 وأنساب الأشراف ص440 والإمامة والسياسة (تحقيق زيني) ج1 ص18 وبيت الأحزان ص81 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص257.

([4]) نهج البلاغة (الخطبة الشقشقية) ج1 ص33 ورسائل المرتضى ج2 ص109 والإحتجاج ج1 ص284 وكتاب الأربعين للشيرازي ص167 وحلية الأبرار ج2 ص290 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص457 والنص والإجتهاد ص25 والغدير ج7 ص81 وج10 ص25 والمعيار والموازنة لابن الإسكافي ص46 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص162 و 170 والدرجات الرفيعة ص34 وبيت الأحزان ص89 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص282 وشرح شافية ابن الحاجب للأسترآبادي ج1 ص78.

 
   
 
 

موقع الميزان