صفحة : 319   

القبائلية تنغض رأسها:

وتصريح المؤرخين باسم قريش على أنها هي التي تطاولت للراية يطرح سؤالاً عن سبب هذا الطموح القرشي القبائلي، ومتى كانت قريش  بما هي قبيلة تهتم بأمر الجهاد والتضحية والعطاء؟! فإن القريشيين باستثناء بني هاشم لم يكونوا أكثر ولا أفضل عطاء من غيرهم..

إلا إن كانوا يقصدون تكريس هذه القرشية ليستعيضوا بها عن موضوع النص على علي «عليه السلام»، كما ظهر من كلماتهم يوم السقيفة.

أم يظنون: أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه هو الذي سوف يعود إلى عشائريته، ويكرس الإمتيازات لقومه وقبيلته؟! وما هي مبررات هذا التوقع الغريب والعجيب؟!

أم أنهم ظنوا: أنه «صلى الله عليه وآله» قد عاد إلى هذه العشائرية، حين رأوه يعطي الراية لأبي بكر ، وهو قرشي، ثم يعطيها لعمر ، وهو قرشي، رغم فرار القرشي الأول بها.. بل هو قد أعطاها ـ حسب رواياتهم ـ مرة ثالثة لقرشي كان قد فر بها عن قريب، وهو عمر .. بعد أن فر بها صاحبه القرشي الآخر قبله، وهو أبو بكر..

ثم أعطاها لقرشي ثالث مرة رابعة، وهو الزبير ، كما ذكرته بعض الروايات، وقد فر هو الآخر بها، ثم طلبها مرة أخرى في اليوم الأخير، فلم يعطه إياها، بل قال: والذي كرم وجه محمد لأعطين الراية رجلاً لا يفر، هاك يا علي([1]).

هذا بالإضافة إلى أن محمد بن مسلمة كان ممن فرَّ بالراية أيضاً([2]).

نعم.. هل فهموا بعد كل هذا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يعطيهم الراية لقرشيتهم؟!

ولم لا يظنون: أنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يركز ويعمق شعور الناس بفرار القرشيين بالراية، وأنهم ليسوا أهل حرب، ولا يصح الإعتماد عليهم في المواقف الحساسة والصعبة، لكي يحصن الناس من دعايات قريش وإشاعاتها.


 

([1]) مجمع الزوائد ج9 ص124 وراجع: شرح الأخبار ج1 ص321 والعمدة ص140 و 143 وفضائل الصحابة ج2 ص617 ح1054 و ص583 ح987 وذخائر العقبى ص73 عن مسند أحمد ج3 ص16 ومسند أبي يعلى ج2 ص500 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص104 و 105 والبداية والنهاية ج4 ص212 ونهج الإيمان لابن جبر ص317 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص352 وينابيع المودة ص164 ومصادر أخرى تقدمت.

([2]) أسد الغابة ج4 ص21 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص413 وعن مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص188وأعيان الشيعة ج1 ص270.

 
   
 
 

موقع الميزان