صفحة : 320-321   

الإعلان المسبق، لماذا؟!:

كان من الممكن أن ينتظر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى اليوم التالي، ثـم يدعو علياً «عليه السلام» ويشفيه من الرمد، ثم يرسله إلى الحرب، كما أرسل غيره قبله.. ثم يعطيه الأوسمة بعد انتصاره.. ولكنه «صلى الله عليه وآله» لم يفعل ذلك..

وكان يمكنه أيضاً أن يعطيه الأوسمة لحظة إرساله بالراية.. ولكنه لم يفعل ذلك، بل أعلن الأوسمة قبل يوم من اعطاء الراية.. وقد بات الناس يتهامسون، ويقترحون الأسماء التي ستفوز بالراية: هذا تارة، وذاك أخرى.. وتشرئب الأعناق، وتنطلق الأمنيات من كل جهة وفي كل اتجاه، دون أن يمر في وهم أحد منهم اسم علي «عليه السلام»، لأنه كان أرمداً..

ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أُخْبِرَ بحاله «عليه السلام» قبل استدعائه لأخذ الراية.. كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يسأل عن سبب غيبته، لأن الله تعالى هو الذي يرعى حركة رسوله في تلك اللحظات الحساسة والخطيرة..

واستقرت كلمات النبي «صلى الله عليه وآله» في وصف صاحب الراية في نفوسهم، وتجسدت أمام أعينهم وعوده «صلى الله عليه وآله» بالنصر على يد صاحب الراية العتيد. وطبقوا الأوصاف التي أطلقها النبي «صلى الله عليه وآله» على هذا تارة وعلى ذاك أخرى.

ولعلهم قارنوا بين الأشخاص، وتأملوا في ميزاتهم وأوصافهم التي ظهرت لهم فيهم.

وقد ظهر خطؤهم جميعـاً في كل حساباتهم، وتقديراتهم، وفاجأهم القرار النبوي الصائب، وأعطيت الراية لصاحبها.. وكان ما كان..

ولو أنه «صلى الله عليه وآله» كان قد أجَّل قراره، ولم يطلق الأوصاف لحامل الراية إلى اليوم التالي، فلربما لم يفكر أحد في شيء من ذلك، ولم يقم أحد منهم بأي بحث ومقارنة تطبيقية، كان يريد النبي «صلى الله عليه وآله» لهم أن يقوموا بها، ليكونوا أكثر واقعية، وأبعد عن العيش في أجواء الإدعاءات الباطلة، والإستعراضات الفارغة..

ولو أنه أجَّل كلماته إلى اليوم الثالث لتخيل الكثيرون أنها مجرد مدائح طارئة، وأوسمة تهدف إلى الحث والتشجيع، وشحذ العزائم، وقد تكون فضفاضة على أصحابها بدرجة كبيرة..

 
   
 
 

موقع الميزان