ورووا عن علي «عليه السلام» أنه قال:
إن رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، فقلت: يا رسول الله، إني أرمد!!
فتفل في عيني، فقال:
اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذٍ.
وذكروا:
أنه «عليه
السلام»
كان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، ويلبس في البرد الشديد
الثوبين الخفيفين([1]).
ونقول:
أولاً:
قد ذكروا: أن
رجلاً دخل على علي
«عليه
السلام»
وهو يرعد تحت سمل قطيفة، (أي قطيفة خلقة) فقال: يا أمير المؤمنين، إن
الله جعل لك في هذا المال نصيباً، وأنت تصنع بنفسك هكذا.
فقال:
لا أرزؤكم من مالكم شيئاً، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة([2]).
قال الحلبي
XE "الحلبي"
:
«قد
يقال: لا مخالفة، لأنه يجوز أن تكون رعدته «عليه السلام» ليست من
البرد، خلاف ما ظنه السائل، لجواز أن تكون لحمى أصابته في ذلك الوقت»([3]).
ويرد عليه:
أن هذا
تأويل بارد، ورأي كاسد، بل فاسد؛ فإن ظاهر الكلام: أن رعدته قد كانت
بسبب رقة ما يلبسه، وهو قطيفة خلقة (أي بالية)، وأنه لو استفاد من
نصيبه من المال، ولبس ما يدفع هذا البرد لم يكن ملوماً. فما يجري له
كان هو السبب فيه، وهو الذي أورده على نفسه.. وقد أصر «عليه السلام»
على عدم المساس بالمال الذي تحت يده.
ولعلهم أرادوا في جملة ما أرادوه من هذا الحديث:
أن يشككوا الناس بزهده
«عليه
السلام»
في ملبسه، وأن يقولوا: إن ذلك بسبب عدم شعوره بحر ولا برد.
ثانياً:
إننا لا نجد أي ارتباط بين شكوى علي
«عليه
السلام»
من الرمد، وبين الدعاء المنسوب للنبي
«صلى الله
عليه وآله»
وهو: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فإنه
«عليه
السلام»
لم يكن يشكو من حر ولا برد.
بل كانت شكواه
من رمد عينيه، فهل هذا إلا من قبيل أن تقول لإنسان: إني عطشان، فيقول
لك: نم على السرير؟!
ثالثاً:
حتى لو كان قد دعا له بإذهاب البرد والحر عنه.. فإنه لا يجب استمرار
أثر ذلك حتى الممات، بل يكفي أن لا يشعر بالبرد أو الحر الذي كان يشعر
به حين الدعوة في ذلك اليوم.
ويدل على ذلك:
أنهم رووا عن بـلال ، قوله: أذَّنت في غداة باردة فخرج رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
فلم ير في المسجد أحداً، فقال: أين الناس يا بلال
؟!
قال:
منعهم البرد.
فقال:
اللهم أذهب عنهم البرد.
قال بلال:
فرأيتهم يتروحون([4]).
فلماذا لم
يستمر ذهاب البرد عنهم إلى أن خرجوا من الدنيا؟ كما يزعمونه بالنسبة
لعلي «عليه
السلام»؟!
أم أن هذه هي
القصة الواقعية، وقد استُفيد منها في قصة خيبر، لحاجة في أنفسهم؟!
([1])
مسند أحمد ج1 ص99 والسيرة الحلبيـة ج3 ص36 وسنن ابن ماجـة (ط
المكتبة = = التازية بمصر) ج1 ص56 والخصائص للنسائي (ط مكتبة
التقدم بمصر) ص5 والعقد الفريد (ط مكتبة الجمالية بمصر) ج3
ص94 وكفاية الطالب (ط الغري) ص130 وتاريخ الخميس ج2 ص49 ومجمع
الزوائد ج9 ص122 وتذكرة الخواص ص25 والرياض النضرة (ط محمد
أمين بمصر) ج2 ص188 والخصائص الكبرى ج1 ص252 و 253 وبحار
الأنوار ج21 ص4 و 20 و 29 عن الخرايج والجرايح، وعن الخصال ج2
وعن دلائل النبوة للبيهقي والميزان (تفسير) ج18 ص296 وتاريخ
مدينة دمشق ج42 ص106 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص214 وكنز العمال
(ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص121 عن ابن جرير، والبزار، وأحمد، وابن
أبي شيبة، والطيالسي، والمستدرك، والبيهقي، وغيرهم والمصنف
لابن أبي شيبة ج7 ص497 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص88 و 89 ومجمع
البيان (ط سنة 1421هـ) ج9 ص155.
([2])
السيرة الحلبية ج3 ص36 وحلية الأبرار ج2 ص246 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص477 وعن ينابيع المودة ج2 ص195 وبحار الأنوار ج40
ص334 والتذكرة = = الحمدونية (ط بيروت) ص69 ومختصر حياة
الصحابة (ط دار الإيمان) ص253 والأموال ص284 وقمع الحرص بالزهد
والقناعة ص79 وصفة الصفوة ج1 ص122 وحلية الأولياء ج1 ص82
وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص295 وجواهر المطالب لابن الدمشقي
ج1 ص284 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص173.
([3])
السيرة الحلبية ج3 ص36 و (ط دار المعرفة) ج2 ص735.
([4])
سبل الهدى والرشاد ج10 ص214 عن البيهقي، وأبي نعيم، والطبراني
ومجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص318 والكامل لابن عدي ج1 ص346
والموضوعات لابن الجوزي ج2 ص93 وأسد الغابة ج1 ص209 وميزان
الإعتدال ج1 ص289 ولسان الميزان لابن حجر ج1 ص482 والبداية
والنهاية ج6 ص185.
|