علي عليه السلام قالع باب خيبر

   

صفحة : 43-49   

علي عليه السلام قالع باب خيبر:

ومن الأمور التي لا يرتاب منها أحد، وقد شاعت وذاعت بين الناس: قلع علي باب حصن خيبر.

فقد قالوا: «وقتل علي يومئذٍ ثمانية من رؤسائهم، وفر الباقون إلى الحصن، فتبعهم المسلمون. فبينما علي يشتد في أثرهم، إذ ضربه يهودي على يده ضربة سقط منها الترس، فبادر يهودي آخر، فأخذ الترس، فغضب علي، فتناول باب الحصن، وكان من حديد، فقلعه، وترس به عن نفسه»([1]).

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب «عليه السلام» حين بعثه رسول الله «صلى الله عليه وآله» برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود ـ وقد صرحوا بأنه مرحب([2]) ـ فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله تعالى عليه الحصن.

ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه([3]).

وعن زرارة، عن الإمام الباقر «عليه السلام»: انتهى إلى باب الحصن، وقد أغلق الباب في وجهه، فاجتذبه اجتذاباً، وتترس به، ثم حمله على ظهره، واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون، والباب على ظهره..

إلى أن قال «عليه السلام»: ثم رمى بالباب رمياً الخ..([4]).

قال الدياربكري: ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقى علي ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبراً.. وفي هذا قال الشاعر:

عـلي رمى بـاب المـديـنـة خـيـبر              ثـمانـين شــبراً وافـيـاً لم يـثلـم([5])

غير أن الحلبي قال: «قال بعضهم: في هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر.

قال: وقيل: ولم يقدر على حمله أربعون رجلاً. وقيل: سبعون.

وفي رواية: أن علياً كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه، فألقاه بالأرض، فاجتمع عليه بعده سبعون رجلاً، فكان جهداً أن أعادوه إلى مكانه»([6]).

وقال القسطلاني وغيره: «قلع علي باب خيبر، ولم يحركه سبعون رجلاً إلا بعد جهد»([7]).

وروى البيهقي من طريقين: عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي «عليه السلام» عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله: أن علياً «عليه السلام» حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها. وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً. رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف([8]).

وفي شواهد النبوة: روي أن علياً «عليه السلام» بعد ذلك حمله على ظهره، وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن([9]).

وهذا إشارة إلى وجود خندق كان هناك.

فلما أغلقوا باب الحصن صار أمير المؤمنين «عليه السلام» إليه، فعالجه حتى فتحه، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه، فأخذ أمير المؤمنين «عليه السلام» باب الحصن فجعله على الخندق جسراً لهم، حتى عبروا، فظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم.

فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين «عليه السلام» بيمناه، فدحا به أذرعاً من الأرض. وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً([10]).

وخُبِّر النبي «صلى الله عليه وآله» عن رميه «عليه السلام» باب خيبر أربعين شبراً، فقال «صلى الله عليه وآله»: والذي نفسي بيده، لقد أعانه عليه أربعون ملكاً([11]).

قال الشيخ المفيد «رحمه الله»: روى أصحاب الآثار عن الحسن بن صالح، عن الأعمش، عن أبي عبد الله الجدلي قال: سمعت أمير المؤمنين «عليه السلام» يقول: لما عالجت باب خيبر، جعلته مجناً لي، فقاتلتهم به، فلما أخزاهم الله، وضعت الباب على حصنهم طريقاً، ثم رميت به في خندقهم.

فقال له رجل: لقد حملت منه ثقلاً.

فقال: ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي في غير ذلك المقام([12]).

ولا عجب في ذلك، فإنه هو الذي يقول: إنه ما قلع باب خيبر بقوة جسمانية، ولكن بقوة إلهية([13]).

وقال بعض الصحابة: ما عجبنا ـ يا رسول الله ـ من قوته في حمله ورميه وإتراسه، وإنما عجبنا من إجساره، وإحدى طرفيه على يده!

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» كلاما معناه: يا هذا، نظرت إلى يده، فانظر إلى رجليه.

قال: فنظرت إلى رجليه، فوجدتهما معلقين، فقلت: هذا أعجب، رجلاه على الهواء؟!

فقال «صلى الله عليه وآله»: ليستا على الهواء، وإنما هما على جناحي جبرئيل([14]).

ونقول:

لا مجال لاعتبار هذا من الخرافة، فإن الله تبارك وتعالى يفعل أعظم من ذلك لمن يشاء من عباده المخلصين والمجاهدين. وقد قال تعالى في كتابه: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([15]).

وأن يضع جبريل جناحه تحت قدمي علي «عليه السلام» هو أحد مفردات تثبيت الأقدام، ومن أجلى مظاهر النصر الإلهي.


 

([1]) تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: ذخائر العقبى ص73 ومسند أحمد ج6 ص8 والدرر لابن عبد البر ص198 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص216 والسيرة النبوية لابن هشام (ط محمد علي صبيح) ج3 ص798 والمناقب للخوارزمي ص172والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص359 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 وينابيع المودة ج2 ص164 وبحار الأنوار ج21 ص4 و مجمع البيان ج9 ص202 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص301 والكامل في التاريخ ج2 ص220.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 وإمتاع الأسماع ج1 ص310 وأعيان الشيعة ج1 ص405 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص419 وج8 ص389.

([3]) السيرة النبوية لابن هشام (ط المكتبة الخيرية بمصر) ج3 ص175 و (ط محمد علي صبيح) ج3 ص798 والمناقب للخوارزمي ص172 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص301 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 ومطالب السؤول ص210 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص110 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص70 والكامل في التاريخ ج2 ص220 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 و 626 وشرح أصول الكافي ج6 ص137 وج12 ص498 وبحـار الأنـوار ج21 ص4 ومنـاقب أهل البيت = = للشيرواني ص140 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص11 ومجمع الزوائد ج6 ص152 وفتح الباري ج7 ص367 والدرر لابن عبد البر ص198 ومجمع البيان ج9 ص202 وتفسير الثعلبي ج9 ص51 والدر النظيم ص175 وكشف الغمة ج1 ص212 وعيون الأثر ج2 ص139 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص359 وراجع: الإصابة ج2 ص502.

وراجع: تذكرة الخواص ص27 والبداية والنهاية ج4 ص185 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص216 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 و 75 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 188 ومعارج النبوة ص219 والسيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 ومسند أحمد ج6 ص8 وتاريخ الخميس ج1 ص51 عن المنتقى، والتوضيح، عن الطبراني، وأحمد.

([4]) بحار الأنوار ج21 ص22 وج41 ص280 وإعلام الورى ج1 ص208 ومدينة المعاجز ج1 ص176 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص125 ونهج الإيمان ص324.

([5]) تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737.

([6]) السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 وتاريخ الخميس ج2 ص51 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 والإصابة ج2 ص502 والبداية والنهاية ج4 ص184 وعن البيهقي، والحاكم.

([7]) شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص383 عن الأنوار المحمدية (ط بيروت) ص98.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص128 و 129 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص212 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص90 والبداية والنهاية ج4 ص189 والسيرة الحلبية ج3 ص37 وراجع: تذكرة الخواص ص27 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 188 ومعارج النبوة ص219 وتاريخ الخميس ج2 ص51 عن الحاكم، والبيهقي، وبحار الأنوار ج21 ص19 وفي هامشه عن المجالس والأخبار ص6.

([9]) تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: تحف العقول ص346.

([10]) بحار الأنوار ج21 ص16 وج41 ص281 والإرشاد للمفيد ج1 ص128 وعن مناقب آل أبي طالب ج2 ص126 ومدينة المعاجز ج1 ص175.

([11]) بحار الأنوار ج21 ص19 وفي هامشه عن مناقب آل أبي طالب ج2 ص78.

([12]) الإرشاد للمفيد ج1 ص128 وأعيان الشيعة ج1 ص339 والثاقب في المناقب ص258 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص257 ومدينة المعاجز ج1 ص171 وبحار الأنوار ج21 ص16 و 17 وكشف الغمة ج1 ص215 ونهج الإيمان ص323.

([13]) ستأتي مصادر ذلك إن شاء الله.

([14]) بحار الأنوار ج41 ص281 عن روض الجنان.

([15]) الآية 7 من سورة محمد.

 
   
 
 

موقع الميزان