صفحة : 50-53   

خبر قلع الباب صحيح:

وتقدم أنهم زعموا: أن خبر قلع باب خيبر بعضه فيه جهالة، وبعضه فيه انقطاع، وبعضه ضعيف أو منكر..

بل فيهم من يقول: طرق حديث الباب كلها واهية، أو يقول: حديث الباب لا أصل له، أو أنه يروي عن رعاع الناس..

ونقول:

أولاً: إذا ثبت حديث قلع الباب أو غيره من طريق أهل البيت «عليه السلام» فذلك يكفينا عن كل حديث، لأن أهل البيت هم سفينة نوح، وهم أحد الثقلين الذين لن يضل من تمسك بهما.

ثانياً: لقد روى حديث قلع باب خيبر محدثوا أهل السنة، وأثبته علماء المسلمين في كتبهم، وذكروا أن أربعين أو سبعين رجلاً عَجَزوا عن حمله.. فإذا كان هذا الحديث مكذوباً أو مختلقاً، فمعنى ذلك اتهام محدثي أهل السنة وعلمائهم بالكذب والإختلاق، لأنهم قد رووه وتناقلوه بأسانيدهم وفي مصادرهم.. لأن رواية هذا الحديث لا تنحصر بشيعة أهل البيت «عليهم السلام».

ثالثاً: ضعف سند الحديث لا يبرر الحكم عليه بأنه مكذوب أو موضوع، لأن الكذاب والوضاع لا يكون جميع ما يرويه مكذوباً، بل يكون الكثير أو ربما أكثر ما يرويه صحيحاً، ولكنه يدخل فيه بعض الموضوعات أو التحريفات التي توافق أغراضه.

إذ لو كان جميع ما يقوله الوضاع والكذاب موضوعاً لم يجد من يروي عنه، فلا معنى للحكم الجازم بكذب حديث قلع الباب حتى لو فرضنا أن راويه يتهم بالكذب أو بالوضع..

رابعاً: لقد حكموا على بعض طرق الحديث: بأن فيه انقطاعاً.

وقالوا عن خبر آخر: إن رجاله ثقات، باستثناء شخص واحد هو ليث بن أبي سليم، مع أنه وإن ضعَّف الكثيرون منهم ليثاً هذا، ولكن آخرين منهم قد أثنوا عليه، ووصفوه بالصلاح والعبادة، وبغير ذلك، ولم يصفه أحد بالكذب، ولا بالوضع على الإطلاق..

بل غاية ما قالوه عنه: إنه ضعيف في الحديث، أو مضطرب الحديث، أو ليِّن الحديث، أو نحو ذلك.. وذكروا هم أنفسهم أن سبب قولهم هذا: هو أنه اختلط في آخر عمره.

فذلك يدل على: أنه في نفسه ليس من رعاع الناس، وإليك طائفة من كلماتهم فيه، نأخذها من كتاب تهذيب التهذيب متناً وهامشاً.

قال الذهبي: أحد العلماء، كوفي.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه، فترك.

وقال العجلي: جائز الحديث.

وقال عبد الوارث: من أوعية العلم.

وقال ابن معين: منكر الحديث، صاحب سنة.

وقال عثمان ابن أبي شيبة: صدوق ضعيف الحديث.

وقال ابن شاهين: في الثقات.

وقال الساجي: صدوق فيه ضعف، كان سيِّئ الحفظ، كثير الغلط.

وقال البزار: كان أحد العُبَّاد، إلا أنه أصابه اختلاط، فاضطرب حديثه، وإنما تكلم فيه أهل العلم بهذا، وإلا فلا نعلم أحداً ترك حديثه..

وقال ابن سعيد: كان رجلاً صالحاً عابداً.. وكان ضعيفاً في الحديث..

ثم ذكر: أنه كان يسأل عطاء، وطاووساً، ومجاهداً، فيختلفون فيه، فيروي أنهم اتفقوا من غير تعمد.

وقال ابن حِبان: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل الخ..

وقال الدارقطني: صاحب سنة، يكتب حديثه، إنما أنكر عليه الجمع بين عطاء، وطاووس، ومجاهد حسب..

وسئل عنه يحيى، فقال: لا بأس به.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثوري، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه.

وقال محمد: ليث صدوق، يهم.

وقال فضيل بن عياض: كان ليث أعلم أهل الكوفة بالمناسك.

وسأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: ليث عن طاووس أحب إلي من سلمة بن وهرام عن طاووس.

قلت: أليس تكلموا في ليث؟!

قال: ليث أشهر من سلمة. ولا نعلم روى عن سلمة إلا ابن عيينة، وربيعة.

فهذه العبارات وأمثالها أفادت: أن اختلاطه في آخر عمره هو السبب في تكلمهم في حديثه، أما هو نفسه فقد وصفوه بأجل الأوصاف كما رأينا..

فإذا حصل الإطمئنان: بأن ما رواه إنما رواه قبل الإختلاط، خصوصاً إذا تأيدت صحته من طرق أخرى، كما في رواية عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، وكذلك غيرها من الطرق التي ذكرها البيهقي في دلائل النبوة، وما أورده في الإمتاع، فإن الرواية تصبح صحيحة، ولا يكون رواتها من الرعاع، وليس فيها انقطاع ولا جهالة، ولا غير ذلك.

رابعاً: ذكر العلماء: أن تعدد طرق الحديث يعد من الشواهد التي توصله إلى درجة الحسن([1]).

وقال الزرقاني: «..ومن القواعد: أن تعدد الطرق يفيد: أن للحديث أصلاً»([2]).

خامساً: ما معنى وصف رواة هذا الحديث بأنهم من رعاع الناس.. وفيهم جعفر بن محمد، عن آبائه «عليهم السلام»، وفيهم أبو رافع، وعبد الله بن حسن، وسواهم ممن يعتمد عليهم نفس هؤلاء الجارحين ويصفونهم بالأوصاف الحميدة، ويثنون عليهم الثناء الجميل، ويعظمونهم؟!


 

([1]) راجع: نسيم الرياض ج3 ص10 و 11 وتحفة الأحوذي ج2 ص372.

([2]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص490.

 
   
 
 

موقع الميزان