إن الروايات
المتعارضة هي تلك التي يكون موضوعها ومحمولها واحداً ذاتاً، وزماناً
ومكاناً، وجهةً، وشرطاً وإضافة، وقوة، وفعلاً، وفي الكل والجزء وغير
ذلك.. ولكن إحداها تثبت هذا المحمول لذلك الموضوع، والأخرى تنفيه..
وفي مثل هذه
الحال لا بد من طرح الروايتين، إن لم يمكن ترجيح إحداهما بمرجح مقبول
ومعقول، وطرح الأخرى، أو إذا لم يمكن الأخذ بهما معاً بإسقاط التناقض،
باكتشاف الخلل في أحد العناصر التي يتحقق بها التنافي، بشرط أن لا يكون
جمعاً تبرعياً اقتراحياً، ليس له شاهد يؤيده.
وقد نجد في
أحاديث ما
جرى في خيبر بعض الروايات التي يظن لأول وهلة أنها متناقضة، فإذا تأمل
فيها الباحث اكتشف أنها ليست كذلك، ونذكر منها ما يلي:
تقدم:
أن الذين حاولوا حمل الباب الذي أخذه علي
«عليه
السلام»
بيده
هم ثمانية رجال، وفي أخرى أنهم أربعون، وفي ثالثة: سبعون رجلاً.. فقد
يتخيل أن ثمة تناقضاً..
ويمكن الجواب
بأن من الممكن أن تكون هناك أكثر من محاولة لحمل ذلك الباب، أو
لتحريكه، فحاول ثمانية رجال، ثم أربعون، وفي مرة ثالثة حاول سبعون،
فعجزوا جميعاً عن حمله..
فلا يمكن
إحراز توفر عناصر التناقض في هذا المورد، ليكون ذلك من موجبات ضعف أو
سقوط الرواية عن الإعتبار..
وفي بعض الروايات:
أن علياً
«عليه
السلام»
اقتلع
باب الحصن، وبعضها الآخر يقول: إن ترسه طرح من يده، فوجد عند الحصن
باباً، فأخذه فترس به عن نفسه.
ويجاب:
بأن الروايتين صريحتان بالإختلاف الموجب لدفع الشبهة، فإحداهما: تصرح
بأنه قد اقتلع باب الحصن حين كان يهاجمه.. والأخرى: تصرح بأنه وجد
باباً عند الحصن فترس به عن نفسه، أي قبل اقتلاع باب الحصن.. ولا مانع
من حصول كلا الأمرين.
وبذلك تنحل الإختلافات الأخرى التي تقول:
تارة
إن الباب من الحجر تارة، وإنه من الحديد تارة أخرى..
ولعل بعض
الرواة قد خلط في توصيفه للباب المقتلع بما هو وصف للباب الملقى على
الأرض، أو عكس ذلك.
ولعل إحدى الروايتين، التي تقول:
إنه لم يستطع الثمانية أن يقلبوه ناظرة إلى أحد البابين، والأخرى تتحدث
عن عجز الأربعين والسبعين عن الباب الآخر..
وكذلك الحال
بالنسبة للمناداة من السماء:
لا ســيــف
إلا ذو الـفَــقـــــار
ولا فـــتــــــى
إلا عــــــــــلي
حيث ذكرت
روايات أن ذلك كان في أحد، وأخرى إنه كان في بدر، وثالثة إنه كان في
خيبر، أو غيرها..
فظهر التناقض
بين هذه الأخبار..
ونجيب:
بأنه لا مانع
من أن يكون النداء بذلك من السماء قد حصل في المواطن الثلاثة: بدر،
وأحد، وخيبر.. وسواها.. إذ لم تصرح أية واحدة منها بنفي حصول ذلك في
غير موردها.. بل اقتصرت على التنويه بحصول ذلك في الواقعة التي تتحدث
عنها.. |