صفحة : 59   

مضمون النداء دلالة ومعنى:

قد تحدثنا في واقعة أحد عن بعض ما نستفيده من هذا النداء، ونزيد هنا الأمور التالية:

الأول: إن هذا التكبير وذلك النداء حجة قاطعة على الأعداء، وعلى الأولياء، يفرض عليهم اليقين بحقانية هذا الدين، وبأنه مرعي من الله، وأنه ظاهر ومنصور لا محالة.

فلا معنى لاستمرار المكابرة، ولا مبرر للقتال، إلا إذا اعتقد هؤلاء الناس أنهم أقوى من الله، وأن بإمكانهم أن يغلبوا ربهم، ويفرضوا عليه إراداتهم.

لا بد أن تزيل عنهم هذه الكرامة (المعجزة) كل شبهة، وتغنيهم عن الأدلة والبراهين.. وتفهمهم أن حربهم على الإسلام والمسلمين، حرب باغية وظالمة وبلا مبرر، وأنهم إنما ينقادون فيها لشهواتهم، وعصبياتهم وأهوائهم..

كما أنه لا بد لأهل هذا الدين من أن يتعمق ويترسخ إيمانهم به، ويزول كل ترديد أو شبهة لهم فيه، ولا بد أيضاً من أن يزول الخوف عنهم، وأن تزيد صلابتهم في الدفاع عنه..

فما معنى فرارهم من الزحف هنا.. وما المبرر لفرارهم في حنين وأحد، وذات السلاسل، وقريظة وغيرها من المواطن؟!

ثم إن ذلك لا بد أن يسقط هيمنة القوة من نفوسهم، فلا مجال بعد للإنبهار بكثرة الأعداء، أو بحسن عدتهم وظهور قوتهم..

الثاني: إن هذا النداء يتضمن تعريضاً بأولئك الهاربين، ويبين أن سيوفهم ليست سيوفاً حقيقة، وإنما هي أشكال سيوف.. لأن السيف لا بد أن يجد موقعه في رقاب أهل البغي والطغيان، والجحود، ودوره في الذب عن الحق وأهله، فإذا لم يحصل ذلك فإن وجوده يكون كعدمه.. فيصح نفي صفة السيف عنه..

الثالث: إن الفتوة والرجولة، تعني القوة، والمنعة، والقوة تؤثر فيما عداها وتفعل فيه، والضعف منفعل ومحل لظهور الأثر.. فإذا أصبحت القوة بلا أثر، فإن وجودها أيضاً كعدمها.. ولذلك صح النداء:

لا ســيــف إلا ذو الـفــقـــــار             ولا فـــتــــــى إلا عــــــــــلي

الرابع: إن أهم سبب للعناد والجحود، والمكابرة لدى المشركين واليهود هو الشعور بالقوة، والإعتماد على الكثرة في العدد، وعلى حسن العدة وتوفرها. وقد أظهرت الحروب التي سلفت، ابتداء من بدر، مروراً بأحد، وحمراء الأسد، والنضير، وقينقاع، والخندق وقريظة، وظهر الآن في خيبر: أن ما اعتمد عليه المشركون واليهود في هذه المواطن وسواها لم يكن مفيداً، ولا مؤثراً، بل سقط كله تحت أقدام رجل واحد اسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وكان نصيب أهل الكثرة والعدة والعدد هو الفناء، والدمار، والسقوط والبَوار، وظهر لهم أن الله أكبر من كل شيء عندهم، وأن كل ما سوى الله يباب وسراب..

 
   
 
 

موقع الميزان