صفحة : 85-86   

المزيد من التوضيح والبيان:

ونزيد في توضيح ما تقدم، فنقول:

1 ـ قد يقال: إنه «صلى الله عليه وآله» إذا كان قد عرض اللواء على من يأخذه بحقه، فالمفروض: أن يعطيه لأول طالب له.. فلماذا قال للزبير: أمط، وكذلك قال لغيره؟! أليس ذلك يشير إلى عدم صحة هذه الرواية؟!

ونجيب بما يلي:

إن نفس قوله «صلى الله عليه وآله»: من يأخذه بحقه يدل على أن هؤلاء لم يكن يحق لهم أن يطلبوه، لأنهم هربوا في خيبر مرات عديدة، حتى حين أرسلهم مع علي «عليه السلام».. ومن يفعل ذلك، فإنه يكون قد بين أنه ليس أهلاً لأخذ اللواء، وليس هو من الذين يفون بحقه..

2 ـ إن هذا العرض الذي تعقبه هذا الرفض القوي يزيد في توضيح الأمر للناس وللأجيال، ويعرفهم بأن هؤلاء رغم فشلهم، ورغم فرارهم بالراية من دون حق، لا يزالون يطمحون إلى ما ليسوا أهلاً له.. وهذا يعطي أنه لا بد من الحذر منهم، حين يذرّ قرن الطمع، أو الجشع فيهم..

3 ـ إن مبادرة هؤلاء لطلب اللواء، بعد أن فروا به وعنه بالأمس، معناها: أنهم يريدون استغفال رسول الله «صلى الله عليه وآله».. والتعمية على الناس، مع أنه «صلى الله عليه وآله» هو القائل منذ حرب بدر: لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين.

4 ـ يلاحظ هنا هذا التعبير القوي الذي صدر عنه «صلى الله عليه وآله»: حيث قال للطالب في كل مرة: امط.. وهو رد أو فقل: طرد ينضح بالحسم والحزم، ولنا أن نتخيل ما كانت تحمله النبرات التي رافقت هذا الرد، أو الطرد، وما لها من دلالات وإيحاءات.

وقد يقال: لعل هؤلاء ظنوا أن بإمكانهم تحقيق النصر في فدك، لأن ما جرى في خيبر قد أرعب أهل فدك، حتى أصبحوا لقمة سائغة لهم.

ويجاب:

بأنه إذا عرف أهل فدك أن حملة الراية هم الذين فروا بها في خيبر، فسيكونون أكثر جرأة على مقاومتهم ومنازلتهم.. وإلحاق هزيمة أخرى بالمسلمين، لن تكون مقبولة، ولن تكون محتملة، وربما يكون ضررها على روحيات الناس كبيراً جداً.

6 ـ ولعلك تقول: إن فدك كانت أضعف من أن يُحتاج لفتحها إلى جيش عظيم، وإلى قدرات متميزة، لا سيما وأن محيصة بن مسعود قال لهم: لو بعث إليكم مائة رجل لساقكم إليه.. فما معنى عرض الراية من جديد؟!

ويجاب:

بأن الذي يخاف من الموت، ويسعى للبقاء على قيد الحياة يحاول أن يتجنب حتى المواجهة لأضعف الإحتمالات، وقد بين عرض النبي «صلى الله عليه وآله» الراية مرة ثانية: أن أحداً لم يطلبها سوى هؤلاء الذين هربوا بها في خيبر مع الجيش، الذي كان حوالي عشرة آلاف. وكان لا بد من رد هؤلاء الهاربين. لأنهم أثبتوا عملياً: أنهم غير مأمونين، ولا مؤهلين لهذه المهمة. فكان المقصود هو قيام غيرهم.. مع أنه لم يقم أحد.

 
   
 
 

موقع الميزان