لماذا لا يُقاتل علي عليه السلام إلا بعد الزوال؟!

   

صفحة  182-184:   

لماذا لا يُقاتل علي عليه السلام إلا بعد الزوال؟!:

وقد شرح أمير المؤمنين «عليه السلام» نفسه أسباب عدم قتاله إلا بعد زوال الشمس.. فركز على الأسباب التالية:

1 ـ إن هذا الوقت أقرب إلى الليل، فإذا ذاق المقاتلون طعم القتال، وعرفوا أن الحرب ليست مجرد نزهة، بل فيها آلام ومصائب، وكوارث ونوائب، فإذا جنهم الليل، فسوف يعيدون النظر في حساباتهم، وسيقيِّمون الأمور وفق تجربة مباشرة وملموسة، لم تعد مجرد تصورات غائمة، تكتنفها الكثير من التخيلات التي تقلل من وضوحها، وتهون من أمرها.

فالألم المتصور والمفترض لا يؤثر في قرار الإنسان بمقدار ما إذا أصبح ماثلاً وحاضراً، والمصاب الذي تسمع به أو تقرأ عنه ليس له تأثير بمقدار المصاب الذي تراه وتعيشه، وتعاني منه ما تعاني..

فقد يدفعك خيال مَّا، أو يهيجك هائج حمية أو عصبية، أو يدعوك داعي طمع، أو جشع، أو تزين لك أحلام وردية، تنطلق من حسابات خاطئة، أن تقتحم أتون الحرب.. فتبادر إلى ذلك.. فإذا مسَّك شيء من بلاياها ورزاياها وآلامها، يرجع إليك صوابك، وتلتمس الخلاص، ولات حين مناص..

ثم تطحنك رحى الحرب فيما تطحن، وتحطم ما صلب منك، وتلتهم ما رقَّ ولان. وتجد نفسك غير قادر على استرجاع ما ذهب، ولا استدراك ما يأتي، وتفرض عليك تلك الحرب كل تبعاتها، وتحملك ما أردته وما لم ترده من جرائمها وموبقاتها، وتلقي عليك بكلاكلها وأثقالها، وتبوء بكل مخزياتها..

2 ـ إن هذا الوقت القصير، الذي هو بداية القتال، يكون فيه رجال الحرب على درجة عالية من اليقظة، والنشاط والحذر، ويريد كل منهم أن يختبر قدرات العدو، وأن يكتشف مكامن قوته، ومواضع ضعفه.

فالإقدام فيه محدود، والحذر فيه على أشده.. ولا تتوفر فيه دواع للاستقتال، وطلب الموت، إذ لم يستحر القتل فيه بالأحبة، ولا وقع الأسر بعد على الأبناء والإخوة، ولا السبي أو العدوان على رموز الشرف، ومواضع الغيرة..

فلا موجب إذن لثورة حماس الشجعان. ليلقوا بأنفسهم في المهالك، طلباً للثار، أو لأجل محو العار.

وإذا كانت الأمور لا تزال في حدودها المعقولة، فيمكن للعاقل أن يثوب إليه رشده في الليلة التي تعقب هذه البداية، ويكون ـ في هذه الحال ـ مدركاً بعمق حقيقة ما هو فيه، ونتائج ما يقدم عليه، فيوازن بين الحالين، ويتخذ القرار الرشيد، والموقف السديد..

3 ـ وإذا كان هناك من يلاحق مهزوماً فسيمنعه حلول الليل من مواصلة سعيه.

4 ـ ولا ضير في أن ينجو ذلك المهزوم، فإن هزيمته النفسية، تكفيه هو الآخر ليعيد حساباته، ويستأنف حياته، بنمط جديد، وحذر شديد.

كما أن المطلوب المهم هو دفع شره، والتخلص من أذاه.. وقد حصل ذلك فعلاً.. وليس المطلوب قتله، ولا أسره، إلا إذا كان دفع شره يحتاج إلى ذلك.

وهذا هو ما قاله علي «عليه السلام»: «هو أقرب إلى الليل، وأجدر أن يقل القتل، ويرجع الطالب، ويفلت المنهزم »([1]).


 

([1]) الكافي لأبي الصلاح الحلبي ص256 وعن تهذيب الأحكام ج2 ص256 وعن علل الشرايع ج2 ص603 وبحـار الأنـوار ج33 ص453 وج11 ص453 وج94 ص22 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص997 والتحفة السنية (مخطوط) ص199 ورياض المسائل (ط ق) ج1 ص489 و (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص81 والكافي (ط دار الكتب الإسلامية) ج6 ص173 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص46 و 47.

 
   
 
 

موقع الميزان