قالوا:
وفي المدينة تكلم زيد بن حارثة في أمرها، وأراد أن يكون هو المتكفل
لها، استناداً إلى كونه وصي أبيها؛ ولأن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
كان قد آخى بينه وبين حمزة.
وطالب بها
جعفر، باعتبار أن خالتها أسماء بنت عميس زوجته، والخالة أم.
أما علي
«عليه السلام» فقال:
ألا أراكم في ابنة عمي([1])،
وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق
بها منكم.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
أنا أحكم بينكم.
أما أنت يا
زيد، فمولى لله ولرسوله.
وأما أنت يا
علي، فأخي وصاحبي.
وأما أنت
ياجعفر، فتشبه خَلقي وخُلقي. وأنت يا جعفر أحق بها، تحتك خالتها، ولا
تنكح المرأة على خالتها، ولا عمتها.
فقضى بها
لجعفر.
فقام جعفر
فحجل حول رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
فقال رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»:
ما هذا يا جعفر؟!
قال:
يا رسول الله، كان النجاشي إذا أرضى أحداً قام فحجل حوله.
فقيل للنبي «صلى الله عليه وآله»:
تزوجها.
فقال «صلى
الله عليه وآله»:
ابنة أخي من الرضاعة، فزوَّجها سلمة بن أبي سلمة([2]).
ونقول:
لا بد من
ملاحظة ما يلي:
1 ـ
ذكرت الرواية أن ابنة حمزة خرجت تنادي النبي «صلى الله عليه وآله»: يا
عم، يا عم([3])،
مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» ليس عمها، وإنما هو ابن عمها. إلا إن
كان قد قالت ذلك انسياقاً مع منطق الطفولة.
ويجاب:
بأن طفولتها غير ظاهرة، فإنها كانت في سن الزواج.. وقد زوجها النبي
«صلى الله عليه وآله» سلمة بن أبي سلمة. وذلك بعد أن سئل النبي «صلى
الله عليه وآله» عن سبب عدم زواجه منها.. إلا إن هذا التزويج قد جرى من
قبل وليها رغم صغرها.. مع تأييد صغر سنها بتعبير الإمام عنها بأنها
يتيمة..
2 ـ
ذكرت الرواية: أن جعفراً حجل حينئذٍ سروراً بقضاء النبي «صلى الله عليه
وآله»، فسأله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك، فأخبر أن هذا ما يفعله
النجاشي في هذه الحالات.
ونلاحظ على هذا:
أن جعفراًَ قد حجل قبل ذلك في خيبر، حين قدومه من الحبشة، فسأله «صلى
الله عليه وآله» عن ذلك، وأجابه.. فيبقى السؤال.
وما قيل من أجوبة على ذلك لا يصح، كما بيناه في موضع
آخر في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»([4]).
3 ـ
قولهم: إن النبي «صلى الله عليه وآله» رفض الزواج من ابنة حمزة، لأنها
بنت أخيه من الرضاعة، لا يصح، لما يلي:
ألف:
لتناقض الروايات في كثير من الأمور المرتبطة بهذا الأمر.
ب:
إن حمزة كان أكبر من النبي بأكثر من عشر سنوات، لأن نذر عبد المطلب وما
جرى على أساسه يعطي أن حمزة كان قد ولد وكبر قبل زواج عبد الله بآمنة
بنت وهب، وحمزة أكبر سناً من عبد الله والد النبي «صلى الله عليه وآله»([5]).
ج:
حتى بناء على ما زعموه من أن حمزة كان أكبر من النبي «صلى الله عليه
وآله» بسنتين، أو بأربع، نقول:
إن حدوث هذا
الرضاع يصبح بعيداً، أيضاً بناءً على الأول، لأن قلة قليلة جداً تبلغ
في رضاعها السنتيت، فضلاً عن أن تزيد عليه، وغير صحيح بناء على الثاني.
4 ـ
لماذا لم يأخذ النبي نفسه بنت حمزة، فإن ميمونة بنت الحارث كانت أخت
سلمى بنت عميس لأمها، فهي خالة بنت حمزة، فكان يمكن أن يأخذها «صلى
الله عليه وآله»، لكون خالتها عنده؟! ولكونه أخاً لأبيها من الرضاعة،
فلديه سببان لأخذها دون غيره..
5 ـ
إن صفية بنت عبد المطلب كانت عمة لبنت حمزة، فلماذا لم تُعْطَ لها، وهل
طالبت بها كما طالبوا؟! فإن كانت لم تطالب فما هو السبب؟! هل هو عدم
قدرتها على القيام بشؤونها؟!
أم أنهم حسموا
الأمر من دون علمها، ثم علمت فرضيت؟!
وكيف يقدم
النبي «صلى الله عليه وآله» على حسم الأمر، دون أن يستكمل استكشاف آراء
من لهم ارتباط بالمشكلة.. ولماذا؟! ولماذا؟!
6 ـ
ما السبب في وجود سلمى زوجة حمزة مع ابنتها في مكة، هل هي لم تهاجر مع
زوجها حمزة إلى المدينة؟!.. أم أنها عادت إلى مكة بعد استشهاده «عليه
السلام»؟! وما الذي جعل أهل مكة يرضون بعودتها إلى بلدهم؟!
7 ـ
لماذا لم يطلب زيد، وجعفر ابنة حمزة في مكة، قبل أن تلحق هي بالنبي
«صلى الله عليه وآله»، وتتوسل إليه أن يأخذها معه..
8 ـ
لماذا لم يجبها النبي «صلى الله عليه وآله»، وهي تناديه أن يأخذها
معه؟! بل هو لم يبد رأياً في ذلك حتى كلمه علي «عليه السلام» في
شأنها؟!
ولعل
الصحيح:
هو أن علياً
«عليه
السلام»
قد أخرج فاطمة بنت الحمزة ـ كما قيل: بنت سلمى بنت
عميس([6])،
وقيل: أن اسمها عمارة([7])،
وقيل: أمامة([8])
ـ من مكة حين هجرة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([9])،
لا في عمرة القضاء.. فإن صح هذا، فلماذا عادت إلى مكة؟! وكيف؟!
وحين يذكرون
هجرة الفواطم مع علي «عليه السلام»، ونزولهم ضجنان لا يذكرون فاطمة بنت
الحمزة مع الفواطم الثلاث، ولعل ذلك لأنها كانت طفلاً تابعاً.
وحين
يتحدثون عن غير الهجرة يقولون:
إن الفواطم أربعة، أو ثلاث ويذكرونها بينهن([10]).
فما هو السبب أيضاً في ذلك؟!
([1])
أي ألا أراكم تختلفون في أمر ابنة عمي الخ..
([2])
المغازي للواقدي ج2 ص738 و 739 والسيرة الحلبية ج3 ص65 و 66
وسبل الهدى والرشاد ج5 ص195 وفي هامشه عن: صحيح مسلم ج3 ص1409
وعن سنن أبي داود رقم (2280) والجامع الصحيح ج4 ص338 ودلائل
النبوة للبيهقي ج4 ص338 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص6 وتاريخ
الخميس ج2 ص63 والأمالي للطوسي ص561 و 562 والطبقات الكبرى
لابن سعد ج4 ص35 و 36 وج8 ص159 و 160 وج3 ص8 و 9 ومستدرك
الحاكم ج4
= =
ص87 و
220 والبداية والنهاية ج4 ص234 وعن تفسير القرآن العظيم ج7
ص331 وصحيح البخاري (ط دار إحياء التراث) ج8 ص284 وعن مسند
أحمد ج1 ص158 و 185 وجامع الأحاديث والمراسيل ج12 ص53 وج18
ص253 وج20 ص124 وكنز العمال ج1 ص986 وج5 ص580 و 581 وعن فتح
الباري ج8 ص284 وج9 ص130 وعمدة القاري ج17 ص262 والبيان
والتعريف ج1 ص103 ونصب الراية ج5 ص115 وبحار الأنوار ج20 هامش
ص372 عن ابن إسحاق، وعن تاريخ مدينة دمشق ج19 ص261 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص443.
([3])
راجع: تاريخ الخميس ج2 ص63 و 64 والعمدة ص201 و 326 وبحار
الأنوار ج28 ص328 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص85 وتحفة
الأحوذي ج8 ص113 وعن تفسير القرآن العظيم ج4 ص217 وتهذيب
الكمال ج5 ص54 وعن البداية والنهاية ج4 ص267 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص442.
([4])
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج19
ص219 و 220.
([5])
راجع: البداية والنهاية ج2 ص248 والسيرة النبوية لابن كثـير ج1
ص174 = = والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص160 وراجع: السيرة
الحلبية ج1 ص36 وفي السيرة النبوية لدحلان ج1 ص15 وإن كان لم
يذكر: أن عبد الله كان أصغر ولده، لكنه ذكر حمزة والعباس في
جملة أولاد عبد المطلب حين قضية الذبح.. وذكر في الكامل لابن
الأثير ج2 ص6 وتاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) ج2 ص4:
أن عبد الله كان أصغر ولده، وأحبهم، لكنه لم يسم أولاد عبد
المطلب وراجع: المصنف للصنعاني ج5 ص315 و 316 وعن الدر المنثور
ج3 ص220 وعن تاريخ مدينة دمشق ج57 ص240 وتاريخ اليعقوبي ج1
ص250 و 251.
([6])
الإصابة ج4 ص381 والجوهر النقي ج6 ص241 ومقاتل الطالبيين ص11
والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص35 و 36 وتهذيب الكمال ج15 ص82
وسير أعلام النبلاء ج1 ص213 و 214 و 151 وعن فتح الباري ج7
ص388 و 389.
([7])
بحار الأنوار ج20 هامش ص372 عن الإمتاع، وعن فتح الباري ج7
ص388 و 389 وكنز العمال ج5 ص580 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2
ص122 = = وج8 ص159 وعن تاريخ مدينة دمشق ج19 ص361 وعن أسد
الغابة ج5 ص508 وج8 ص185 و 242 والمنتخب من ذيل المذيل ص114
وعن البداية والنهاية ج4 ص267 والسيرة النبوية لابن كثير ج3
ص443 وعمدة القاري ص17 ص262 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة)
ج2 ص779.
([8])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص48 و 58 وكتاب المحبر ص107 وعن
أسد الغابة ج5 ص399 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص779
وسبل الهدى والرشاد ج5 ص195 و 196.
([9])
السيرة الحلبية ج2 ص204 و 205 وتفسير الميزان ج4 ص91 وموسوعة
التاريخ الإسلامي ج1 ص748 والأمالي للطوسي ص471 ومناقب آل أبي
طالب ج1 ص159 وحلية الأبرار ج1 ص151 و 152 وبحار الأنوار ج19
ص66 وج63 ص350 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص468 والتفسير الصافي
ج1 ص410 ونور الثقلين ج1 ص423 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص326 وكشف
الغمة ص33 وسيرة المصطفى ص259.
([10])
راجع: نيل الأوطار ج2 ص77 وشرح أصول الكافي ج6 ص167 وشرح مسلم
للنووي ج14 ص50 وفتح الباري (المقدمة) ص282 وج11 ص477 والديباج
على مسلم ج5 ص126 والفايق في غريب الحديـث
ج2 ص174 وعيون الأثر ج2 ص371 واللمعة البيضاء ص207 ولسان العرب
ج12 ص455 وتارج العروس ج9 ص13 وكنز العمال ج1 ص3102 وسبل
السلام ج2 ص86 وعون المعبود ج11 ص101 وعمدة القاري ج21 ص23
وج22 ص17 والتمهيد ج14 ص239 وشرح معاني الآثار ج4 ص243 ومرقاة
المفاتيح ج8 ص177 وعن الإصابة ج4 ص381 وعن أسد الغابة ج5 ص362
والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص153 وتعريف الأحياء
بفضائل الإحياء للعيدروسي ج1 ص116.
|