علي عليه السلام وجلد المستحاضة

   

صفحة : 201-202   

علي عليه السلام وجلد المستحاضة:

عن علي «عليه السلام» قال: أرسلني رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى أمة له سوداء، زنت، لأجلدها الحدّ، قال: فوجدتها في دمائها، فأتيت النبي «صلى الله عليه وآله»، فأخبرته بذلك، فقال لي: إذا تعالت [تعافت] فاجلدها خمسين([1]).

ونقول:

1 ـ لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها، لأن الإستحاضة في معنى المرض، ولذلك قال «صلى الله عليه وآله»: إذا تعافت، فاجلدها خمسين. أما الحيض فهو يدل على اعتدال المزاج. والحائض صحيحة، فيقام عليها الحدّ مطلقاً.

2 ـ إن علياً «عليه السلام» لم يبادر إلى إقامة الحد على تلك الأمة، بل تحرى عنها، لكي يعرف إن كانت واجدة لشرائط إقامة الحد أم لا.. فلما علم باختلال الشرائط لم يتركها انتظاراً لتوفر تلك الشرائط، واستناداً إلى ما يعرفه هو من الأحكام الخاصة في هذا المورد، بل راجع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أمرها، ليكون التأخير مستنداً إلى قرار الرسول «صلى الله عليه وآله» نفسه، لا إلى قرار علي «عليه السلام».

3 ـ قد يعترض بعضهم على علي «عليه السلام» بأنّه لم يلتزم بحرفية أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل استلبث وتريث، حتى وجد فرصة لتأجيل تنفيذ الأمر الصادر إليه، فهو لم يكن كالسكة المحماة فيه، كما هو المفروض.

ونجيب: بأنّ هناك أموراً تكون في عهدة النبي أو في عهدة وصيه، الحاكم والحافظ لأحكام الشريعة، لا بد أن يتصدى لها الحاكم مثل: أن يصدر أمره بإقامة الحدّ على مستحقه.

وهناك أمور أخرى تكون من حق المحدود، وعلى المنفذ للأمر أن يراعيها فيه.

فالمورد هنا: من قبيل هذا الثاني، لا الأول، أي أنه مورد التأكد من جامعية المحدود لشرائط إقامة الحدّ، وهذا من وظائف علي «عليه السلام»، فهو من موارد قاعدة: «الشاهد يرى ما لا يراه الغائب»، تماماً كما حصل له «عليه السلام» في حديث الإفك، حيث أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» بقتل جريج القبطي إن وجده عند مارية، فلما وجده، وتأكد من فاقديته لشرط إقامة الحدّ رجع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقال له: تأمرني بالأمر أكون فيه كالسمكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟!

فقال «صلى الله عليه وآله»: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

فهل هذا المورد من الموارد التي يكون فيها كالسكة المحماة؟! تماماً كما حدث حين أمره «صلى الله عليه وآله» بالإتيان بالحكم، كالشاة التي تساق لحلبها؟! أم أن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟!

أي أنّه «عليه السلام» لم يرفع حكم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالرجم، بل هو سيمضيه، ويكون فيه كالسكة المحماة، حين تتحقق شرائط إجرائه، إذ هو بالنسبة لتوفر شرائط إقامة الحدّ، محكوم بقاعدة: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، لأن اليقين بتوفر الشروط من مسؤولية ذلك الشاهد نفسه.


 

([1]) مسند أحمد ج1 ص136 وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص476 وعن نيل الأوطار ج7 ص272 وعن صحيح مسلم ج3 ص537 ح34 كتاب الحدود، والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص37 وعن سنن أبي داود ج1 ص164 ح4473، وليس في الثلاثة الأخيرة لفظ خمسين.

 
   
 
 

موقع الميزان