صفحة : 228-229   

سيد كنانة! يطلب النصيحة!:

وأول شيء طلبه من الإمام علي «عليه السلام» هو النصيحة له. ولا شك في أن هذا الطلب من أبي سفيان غريب وعجيب، لا لأن علياً «عليه السلام» يبخل بالنصيحة على أي كان من الناس.. فحاشا علياً «عليه السلام» أن يبخل بأمر كهذا..

بل لأن هذا الرجل لا يريد من علي «عليه السلام» أن ينصحه بما هو حق، بل يريد النصيحة التي تعزز وتقوي الباطل، وتنتج تضييعاً للحق، وتزويراً للحقيقة، وظلماً آخر لأولئك الأبرياء من خزاعة، الذين كان أكثرهم من الصبيان، والنساء، والضعفاء. وتنتج أيضاً تقوية ونصراً لظالمهم، ومرتكب الجريمة البشعة والفظيعة بحقهم.

والغريب في الأمر: أن يطلب أبو سفيان هذه النصيحة التي هي بهذه المثابة من نفس ذلك المعني بالحفاظ على حقوق الناس، ويفترض فيه أن ينصر المظلوم، وأن يأخذ له من ظالمه!

وكانت نصيحة علي «عليه السلام» تقضي: بحمله عن الكف عن هذا السعي الظالم، والقائم على الخديعة والمكر حتى لنبي الله «صلى الله عليه وآله».

وتتلخص الطريقة التي اعتمدها «عليه السلام» بتذكير أبي سفيان بما يعتقده لنفسه، من مكانة في كنانة كلها، فأقر بأنه هو سيد كنانة مزهواً بذلك.

ثم إنه «عليه السلام» ألزمه بمقتضيات هذه السيادة التي يدعيها لنفسه، لو كان صادقاً فيما يدَّعيه، ومنها أن يقبل الناس جواره.

ولكن أبا سفيان كان يعرف أن هذه السيادة التي يدَّعيها ليست بهذه المثابة، ولا تكفي لتحقيق الغرض الذي سعى إليه، ولكنه سأل علياً «عليه السلام» إن كان ذلك يحقق له ما يريد، فعسى، ولعل!

فأجابه علي «عليه السلام» بما يجلب اليأس والأسى إلى قلبه، وهو: أنه لا يرى ذلك مغنياً عنه شيئاً، ولكنه لا يجد له سبيلاً للخروج من حيرته غير ذلك..

وربما يكون الهدف من ذلك هو إفهام أبي سفيان أن ما يزعمه لنفسه من موقع وزعامة ليس سوى مجرد خيال، ووهم، وقد تغيرت الأمور، وأصبح للزعامة معايير أخرى، لا بد من مراعاتها، والإلتزام بمقتضياتها..

وفهم هذه الحقيقة لا بد أن يكون مفيداً جداً لأبي سفيان، وسوف يعينه كثيراً على الخروج من أجواء الوهم والخيال التي وضع نفسه فيها.

 
   
 
 

موقع الميزان