قال القمي:
«إن
حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة، وكان عياله بمكة.
وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
فصاروا إلى عيال حاطب، وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب، يسألوه عن خبر محمد
«صلى
الله عليه وآله»:
هل يريد أن يغزو مكة؟! فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك»([1]).
فكتب إليهم حاطب:
إن رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى
«صفية»،
فوضعته في قرونها..
وأتى رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن
العوام([2]).
زاد أبو
رافع:
المقداد بن الأسود([3]).
وغير ابن
إسحاق، يقول:
بعث علياً والمقداد([4]).
وفي
رواية عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي:
ذكر أبا مرثد، بدل المقداد([5]).
وفي الحلبية:
بعث علياً
«عليه
السلام»،
والزبير، وطلحة، والمقداد.
وقيل:
بعث علياً، وعماراً، أو الزبير، وطلحة، والمقداد، وأبا مرثد.
ولا مانع من
أن يكون «صلى الله عليه وآله» بعث الكل.
وبعض الرواة اقتصر على بعضهم([6]).
وزاد الطبرسي:
عمر.
وكانوا كلهم فرساناً([7]).
ولا حاجة إلى
إرسال كل هؤلاء لأجل أخذ كتاب من امرأة، إلا إن كان قد أرسلهم في
اتجاهات مختلفة للإطمئنان على عدم إفلاتها من بعض المنافذ والجهات..
والذي نراه أنه أرسل علياً «عليه السلام» ورجلاً آخر لعله الزبير.
وربما أضاف إليهما ثالثاً.
ومهما يكن
من أمر فقد قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«أدرك
امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له (عليه)
في أمرهم»([8]).
ولفظ أبي
رافع:
«انطلقوا
حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب».
فخرجوا([9])
ـ وفي لفظ: فخرجا ـ حتى إذا كان بالخليقة، خليقة بني أحمد الخ..
وفي
الحلبية:
«فخذوه
منها وخلوا سبيلها، فإن أبت فاضربوا عنقها»([10]).
وقال المفيد:
فاستدعى أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال له: «إن بعض أصحابي قد كتب
إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله أن يعمي أخبارنا عليهم.
والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك والحقها،
وانتزع الكتاب منها، وخلها، وصر به إلي».
ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له:
«امض
مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه».
فمضيا، وأخذا على غير الطريق، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير،
فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرت، وحلفت: أنه لا شيء معها، وبكت.
فقال الزبير:
ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً، فارجع بنا إلى رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
نخبره ببراءة ساحتها.
فقال له أمير
المؤمنين «عليه السلام»:
يخبرني رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أن معها كتاباً، ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت: إنه لا كتاب معها؟!!
ثم اخترط السيف، وتقدم إليها، فقال:
أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك، ثم لأضربن عنقك.
فقالت:
إذا كان لابد من ذلك فأعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني، فأعرض بوجهه
عنها، فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها، فأخذه أمير المؤمنين
«عليه السلام»، وصار به إلى النبي «صلى الله عليه وآله».
فأمر أن ينادى:
«الصلاة
جامعة»،
فنودي في الناس، فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم.
ثم صعد النبي
«صلى
الله عليه وآله»
إلى المنبر،
وأخذ الكتاب بيده وقال:
«أيها
الناس إني كنت سألت الله عز وجل أن يخفي أخبارنا عن قريش، وإن رجلاً
منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه
الوحي».
فلم يقم أحد،
فأعاد رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
مقالته ثانية،
وقال:
«ليقم
صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي».
فقام حاطب بن
أبي بلتعة، وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف، فقال: أنا يا رسول
الله صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي، ولا شكاً بعد يقيني.
فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»:
«فما
الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب»؟!
قال:
يا رسول الله، إن لي أهلاً بمكة، وليس لي بها عشيرة، فأشفقت أن تكون
دائرة لهم علينا، فيكون كتابي هذا كفاً لهم عن أهلي، ويداً لي عندهم،
ولم أفعل ذلك للشك في الدين.
فقام عمر بن الخطاب وقال:
يا رسول الله
مرني بقتله، فإنه منافق.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«إنه
من أهل بدر. ولعل الله تعالى اطَّلع عليهم فغفر لهم. أخرجوه من المسجد».
قال:
فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه، وهو يلتفت إلى النبي
«صلى الله
عليه وآله»
ليرق عليه،
فأمر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
بردِّه، وقال له:
«قد
عفوت عنك وعن جرمك، فاستغفر ربك، ولا تعد لمثل ما جنيت»([11]).
وفي نص آخر:
«فخرج علي والزبير، لا يلقيان أحداً حتى وردا ذا الحليفة، وكان النبي
«صلى الله عليه وآله» وضع حرساً على المدينة. وكان على الحرس حارثة بن
النعمان، فأتيا الحرس فسألاهم، فقالوا: ما مر بنا أحد.
ثم استقبلا حطَّاباً فسألاه، فقال:
رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرة، فأدركاها فأخذ علي منها الكتاب،
وردها إلى رسول الله
«صلى الله
عليه وآله».
فدعا حاطباً، فقال له:
انظر ما صنعت..
قال:
أما والله، إني لمؤمن الخ..([12]).
وقال ابن عقبة:
أدركاها ببطن ريم، فاستنزلاها فحلفت، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا
شيئاً، فهموا بالرجوع، فقال لها علي بن أبي طالب «عليه السلام»: إني
أحلف بالله ما كذب رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
وما كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
وعند القمي:
ما كذبنا رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
ولا كذب رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
على جبرئيل، ثم ولا كذب جبرئيل عن الله جل ثناؤه، والله لتظهرن الكتاب
أو لأوردن رأسك إلى رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
الخ..([13]).
(زاد في الحلبية: أو أضرب
عنقك)([14]).
وفي مجمع
البيان:
وسل سيفه وقال: «أخرجي الكتاب، وإلا والله لأضربن عنقك»([15]).
فلما رأت الجد، قالت:
أعرضا. فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه.
فخلوا سبيلها،
ولم يتعرضوا لها ولا لما معها، فأتي به رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة
يخبرهم ببعض أمر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله».
فدعا حاطباً، فقال:
يا حاطب، ما حملك على هذا؟!
قال:
يا رسول الله. إني والله لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت، ولا بدلت، ولكني
كنت امرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد
وأهل، فصانعتهم عليهم([16]).
وفي نص آخر:
أنها أخرجت الكتاب من حجزتها، والحجزة معقد الإزار والسراويل([17]).
ونقول:
ما نريد
التعرض له هنا هو ما يرتبط بعلي أمير المؤمنين «عليه السلام»، ونحيل
القارئ إن أراد التوسع إلى الجزء الحادي والعشرين من كتابنا: الصحيح من
سيرة النبي «صلى الله عليه وآله»، فلاحظ ما يلي:
([1])
بحار الأنوار ج21
ص112 وج72 ص388 وشجرة طوبى ج2 ص301 وتفسير القمي ج2 ص361
والتفسير الصافي ج5 ص161 وج7 ص165 وتفسير الميزان ج19 ص234.
([2])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 وبحار
الأنوار ج21 ص112 و 120 وج72 ص388 وتفسير القمي ج2 ص361
والتفسير الصافي ج5 ص161 وج7 ص165 ونور الثقلين ج5 ص199 وتفسير
الميزان ج19 ص134 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص266 وجامع
البيان للطبري ج28 ص76 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص328 والبداية والنهاية ج4 ص324 وإمتاع
الأسماع ج1 ص352 وج13 ص376 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858
وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص536
والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 وعيون الأثر ج2 ص184
والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 والمحرر الوجيز
في تفسير القرآن العزيز ج5 ص293 وتفسير القرطبي ج18 ص51.
([4])
عيون الأثر ج2 ص184.
([5])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 وعيون الأثر ج2 ص184
والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 والمحرر الوجيز
في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وتفسير
القرطبي ج18 ص51.
([6])
السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([7])
السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ج3 ص11 وبحار
الأنوار ج21 = = ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 و (ط
مؤسسة الأعلمي) ص446 والمغازي للواقدي ج2 ص797 وتاريخ الخميس
ج2 ص79 وعمدة القاري ج14 ص255 و ج19 ص229 وجوامع الجامع ج3
ص542 ونور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الثعلبي ج9 ص291 وأسباب نزول
الآيات للواحدي ص282 وتفسير القرطبي ج18 ص51 وتأويل الآيات
لشرف الدين الحسيني ج2 ص683.
([8])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328
والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون الأثر ج2 ص184
والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([9])
صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص19 وج6 ص60 وصحيح مسلم (ط = =
دار الفكر) ج7 ص168 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص210 ومسند أحمد ج1
ص79 وسنن أبي داود ج1 ص597 وسنن الترمذي ج5 ص82 والسنن الكبرى
للبيهقي ج9 ص146 والسنن الكبرى للنسائي ج6 ص487 وراجع: بحار
الأنوار ج21 ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 و (ط مؤسسة
الأعلمي) ص446 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والأم للشافعي ج4 ص264
والمجموع للنووي ج19 ص340 والمسند للشافعي ص316 وعمدة القاري
ج14 ص254 وج17 ص273 وج19 ص229 ومسند الحميدي ج1 ص27 ومنتخب
مسند عبد بن حميد ص57 ومسند أبي يعلى ج1 ص316 وصحيح ابن حبان
ج14 ص424 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج7 ص102 وتخريج
الأحاديث والآثار ج3 ص447 ونور الثقلين ج5 ص301 وتفسير جامع
البيان ج28 ص74 وأسباب نزول الآيات ص283 وتفسير القرآن العظيم
ج4 ص369 وأسد الغابة ج1 ص361 وتفسير البغوي ج4 ص328 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج2 ص525 والبداية والنهاية ج4 ص324.
([10])
السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 وتفسير فرات ص183
و 184 وبحار الأنوار ج21 ص136 و 137 وتاريخ الخميس ج2 ص89 وراجع: تفسير
الثعلبي ج9 ص291 وأسباب نزول الآيات ص282 وتفسير القرطبي ج18
ص51 ومطالب السؤول ص197 وكشف الغمة ج1 ص179.
([11])
بحار الأنوار ج21
ص119 ـ 121 وص125 و 126 عن الإرشاد للمفيد ج1 ص56 ـ 59 وراجع:
إعلام الورى ج1 ص384 وأعيان الشيعة ج1 ص408.
([12])
بحار الأنوار ج21
ص125 عن إعلام الورى ج1 ص216.
([13])
بحار الأنوار ج21
ص112 وج72 ص388 وتفسير القمي ج2 ص361 والتفسير الصافي ج5 ص161
وج7 ص165 ونور الثقلين ج5 ص299 وتفسير الميزان ج19 ص234.
([14])
السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([15])
مجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج9 ص446 وبحار الأنوار ج21 ص94
وج41 ص8 ونور الثقلين ج5 ص301 وتأويل الآيات لشرف الدين
الحسيني ج3 ص683 وعين العبرة في غبن العترة لأحمد بن طاووس ص27
ومناقب آل أبي طالب ج1 ص405 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والإمام علي
بن أبي طالب «عليه السلام» لأحمد الرحماني الهمداني ص777.
([16])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط
دار
المعرفة) ص12 وبحار الأنوار ج21 ص94 و 112 و 136 و 137 ومجمع البيان ج9 ص269 و 270
وتفسير فرات ص183 و 184 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص797 و 798
وتاريخ الخميس ج2 ص79 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص328 والكامل في التاريخ ج2 ص242 والبداية
والنهاية ج4 ص324 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون
الأثر ج2 ص185 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص537.
([17])
السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 وراجع: الخرائج
والجرائح ج1 ص60 وبحار
الأنوار ج18 ص110 وصحيح البخاري ج4 ص39 ومجمع الزوائد
ج6 ص136 وعمدة القاري ج14 ص255 وج15 ص11 و 12 وتحفة الأحوذي ج9
ص141 ومسند بن أبي يعلى ج1 ص320 وتخريج الأحاديث ج3 ص449 و 451
وكنز العمال ج10 ص523 وجامع البيان ج28 ص76 وأحكام القرآن لابن
العربي ج4 ص224 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن
عطية الأندلسي ج5 ص293 وتفسير القرطبي ج18= = ص51 والتسهيل
لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي ج4 ص112 وتفسير القرآن العظيم
ج4 ص370 وإمتاع الأسماع ج9 ص123 وج13 ص376 وسبل الهدى والرشاد
ج5 ص280.
|