صفحة : 249   

علي × وأبو سفيان بن الحارث:

ويقولون: إن أبا سفيان بن الحارث قدم على النبي «صلى الله عليه وآله»، فلقيه بالأبواء، أو بنبق العقاب وهو في طريقه لفتح مكة. وكان أخا النبي «صلى الله عليه وآله» من الرضاعة، فإن حليمة أرضعته أياماً، فالتمس الدخول على النبي «صلى الله عليه وآله»، فأعرض عنه.

وقيل: إن علياً «عليه السلام» قال لأبي سفيان هنا: ائت رسول الله «صلى الله عليه وآله» من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿..تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ؛ فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يرضى بأن يكون أحد أحسن قولاً منه، ففعل.

فقال «صلى الله عليه وآله»: ﴿لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ([1]).

وكان أبو سفيان قد عادى النبي «صلى الله عليه وآله» نحو عشرين سنة، يهجوه، ولم يتخلف عن قتاله([2]).

وثمة نص آخر يقول: إن علياً «عليه السلام» رفض أن يتوسط له عند النبي، كما رفض العباس:

ونقول:

إن لنا هنا ملاحظات، هي التالية:

1 ـ إن توسط العباس لأبي سفيان بن الحارث موضع ريب، لأن ثمة رواية عن الإمام الباقر «عليه السلام» تصرح: بأن العباس كان من الطلقاء([3]). وهي رواية صحيحة([4])..

2 ـ إن ثمة تناقضاً في موضوع وساطة العباس لأبي سفيان بن الحارث ففي بعضها أنه توسط له([5]).

وفي البعض الآخر: أنه رفض التوسط له([6]).

3 ـ إن أبا سفيان بن الحارث إن كان قد جاء ليسلم تائباً، فلماذا لا يقبل النبي «صلى الله عليه وآله» توبته؟! فالإسلام يَجُبُّ ما قبله، وقد قال تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَـهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً([7]).

4 ـ هل صنع النبي «صلى الله عليه وآله» بأبي سفيان بن حرب مثل ما صنع بأبي سفيان بن الحارث؟!

إلا إذا كان قد ظهر من حال هذا الرجل أنه راغب في حقن دم نفسه، وإصلاح علاقته بالنبي «صلى الله عليه وآله» كشخص، لا أنه يريد الدخول في هذا الدين..

وقد ظهر من كلامه: أنه إنما خرج إلى النبي «صلى الله عليه وآله» خوفاً من القتل، بعد أن أهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمه، وقد ضاقت عليه الدنيا ولم يعد يجد أحداً يصحبه، بعد أن ضرب الإسلام بجرانه([8]). فأظهر «صلى الله عليه وآله» أن العقدة لا تنحل باسترضاء شخص النبي «صلى الله عليه وآله»، بل هي تنحل بالتخلي عن العناد والإستكبار والجحود والعودة إلى الله تبارك وتعالى، فإن المسألة ليست من المسائل الشخصية. بل هي مسألة الحق والباطل، والإيمان والكفر، والتسليم والجحود.

ويشهد لما نقول: أنه حين استشار علياً «عليه السلام»، فأشار عليه بأن يقول للنبي «صلى الله عليه وآله»: ﴿تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ([9]) ففعل، فاستجاب له النبي «صلى الله عليه وآله»، وأنعم له بالرضا.

ونقول:

إن هذه المبادرة تعني أمرين:

أحدهما: الإعتراف منه بالخطأ في اختيار خط الشرك والكفر، لا الإعتراف بمجرد الخطأ في الممارسة تجاه شخصٍ بعينه..

الثاني: الإعتراف للنبي «صلى الله عليه وآله» بالنبوة، وبأن الله قد آثره بها عليهم..

وهذا هو الذي يصلح ما أفسده، ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح..
 


([1]) الآيتان 91 و 92 من سورة يوسف.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14 وإمتاع الأسماع ج1 ص356.

([3]) الكافي (مطبعة النجف سنة 1385 هـ) ج8 ص165 و (ط دار الكتب الإسلامية) ص189 الحديث رقم 216 وبحار الأنوار ج28 ص251 ومعجم  رجال الحديث ج10 ص252 ومجمع النورين للمرندي ص89 وبيت الأحزان ص128 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج3 ص65 وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص78.

([4]) راجـع المصادر في الهامش السابق، وراجع: معجم رجال الحديث ج9 ص235.

([5]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص178 وإعلام الورى ج1 ص219 وبحار الأنوار ج21 ص127 و128 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص101.

([6]) قاموس الرجال ج5 ص237 عن أنساب الأشراف وكتاب التوابين ص113 و114.

([7]) الآية 64 من سورة النساء.

([8]) راجع: قاموس الرجال ج5 ص237 وكتاب التوابين ص113 و114.

([9]) الآية 91 من سورة يوسف.

 
   
 
 

موقع الميزان