صفحة : 259   

إدخال الراية برفق:

وقد ذكر النص المتقدم: أنه «صلى الله عليه وآله» طلب من علي «عليه السلام» أن يدخل الراية إلى مكة إدخالاً رفيقاً.. أي أن المطلوب هو أن يكبت الله المشركين، ويكسر شوكتهم، ويسقط مقاومتهم، بأن يعرفوا أنها مقاومة لا فائدة منها.. ولكن من دون أن يشعروا: أن أبواب الحياة موصدة، وأن لا خيار أمامهم سوى الموت.

بل المطلوب هو فتح باب الأمل أمامهم، بإمكان العيش مع المسلمين، إذا تخلت قريش عن الحرب والمنابذة والجحود.. وأن معاملتهم لهم لن يكون فيها خشونة، ولا عنجهية، واستكبار، رغم كل ما ألحقه المشركون بهم من أذى.. فلماذا يختارون طريق المنابذة التي لا تجر عليهم سوى البلاء والبوار، والخراب والدمار؟!..

وها هم يلمسون هذا الرفق، لدى المسلمين منذ اللحظة الأولى، ممن ذاقوا طعم ذباب سيفه طيلة سنين..

والإنسان يميل بطبعه إلى الراحة، والسلامة.. فلماذا يصرون على ما فيه تعب وشقاء، وجهد وبلاء؟!..

فهذا الحزم والحسم إذا رافقه ذلك الرفق واللين، فهو رفق القوي، الحازم، الذي لم يكن رفقه قراراً فرضته الإستجابة لضرورات الضعف، والتغلب على المشكلات، بل هو رفق نابع من عمق ذاته، وهو مقتضى طبعه، وليس رفق المصلحة الذي يمكن أن يتحول إلى قسوة وشراسة، إذا اختلفت الظروف، وتبدلت المصالح..

 
   
 
 

موقع الميزان