علي عليه السلام وأم هاني يوم الفتح

   

صفحة : 261-266   

علي عليه السلام وأم هاني يوم الفتح:

ويقولون: بلغ علياً «عليه السلام»: أن أم هاني بنت أبي طالب آوت ناساً من بني مخزوم، منهم: الحارث بن هشام، وقيس بن السائب، (وعند الواقدي: عبد الله بن ربيعة)، فقصد «عليه السلام» نحو دارها مقنَّعاً بالحديد، فنادى: «أخرجوا من آويتم».

فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى، خوفاً منه.

فخرجت إليه أم هانئ ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبد الله، أنا أم هانئ، بنت عمِّ رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخت علي بن أبي طالب، إنصرف عن داري.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: «أخرجوهم».

فقالت: والله لأشكونَّك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فنزع المغفر عن رأسه، فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته، وقالت: فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال لها: «إذهبي، فبري قسمك، فإنه بأعلى الوادي».

قالت أم هانئ: فجئت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وهو في قبة يغتسل، وفاطمة «عليها السلام» تستره، فلما سمع رسول الله «صلى الله عليه وآله» كلامي، قال: «مرحباً بك يا أم هانئ وأهلاً».

قلت: بأبي أنت وأمي، أشكو إليك ما لقيت من علي «عليه السلام» اليوم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «قد أجرتُ من أجرتِ».

فقالت فاطمة «عليها السلام»: «إنما جئت يا أم هانئ تشتكين علياً «عليه السلام» في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله»؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «قد شكر الله لعلي «عليه السلام» سعيه، وأجرتُ من أجارت أم هانئ، لمكانها من علي بن أبي طالب»([1]).

وعند الواقدي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن حين تكلمت أم هانئ مع فاطمة «عليها السلام»..

ثم جاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأجار لأم هاني من أجارت، ثم طلب من فاطمة «عليها السلام» أن تسكب له غسلاً، فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات([2]).

وعن الحارث بن هشام قال: لما دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكة، دخلت أنا وعبد الله بن أبي ربيعة دار أم هانئ، ثم ذكر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أجاز جوار أم هانئ.

قال: فانطلقنا، فأقمنا يومين، ثم خرجنا إلى منازلنا، فجلسنا بأفنيتها لا يعرض لنا أحد. وكنا نخاف عمر بن الخطاب، فوالله إني لجالس في ملاءة مورَّسة([3]) على بابي ما شعرت إلا بعمر بن الخطاب، فإذا معه عدة من المسلمين، فسلم ومضى.

وجعلت أستحي أن يراني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأذكر رؤيته إياي في كل موطن مع المشركين، ثم أذكر بره ورحمته وصلته، فألقاه وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته، فسلمت عليه، وشهدت بشهادة الحق، فقال: الحمد لله الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإسلام.

قال الحارث: فوالله ما رأيت مثل الإسلام جُهل([4]).

وعن أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما كان عام يوم الفتح فرَّ إليَّ رجلان من بني مخزوم فأجرتهما.

قالت: فدخل عليَّ عليٌّ فقال: أقتلهما.

قالت: فلما سمعته يقول ذلك أغلقت عليهما باب بيتي، ثم أتيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله «صلى الله عليه وآله» رحَّب وقال: «ما جاء بك يا أم هانئ».

قالت: قلت: يا رسول الله، كنت أمنت رجلين من أحمائي، فأراد علي «عليه السلام» قتلهما.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «قد أجرنا من أجرت».

ثم قام رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى غسله، فسترته فاطمة «عليها السلام»، ثم أخذ ثوباً فالتحف به، ثم صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثمان ركعات سبحة الضحى([5]).

لكن في الحلبية وغيرها: فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذه؟!

إلى أن قال: وفي الرواية الأولى: فلما اغتسل أخذ ثوبه وتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى.

ثم أقبل علي، فقال: مرحباً يا أم هاني، ما جاء بك؟!.

فأخبرته الحديث.

فقال: «أجرنا من أجرت الخ..»([6]).

ونقول:

هل تدل ملاحقة علي «عليه السلام» لهذين الرجلين على أن قتالاً كان يجري يوم الفتح، وتكون مكة قد فتحت بالسيف، وتحت وطأة القتال؟!..

وكيف نوفق بين هذا وبين قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» أعلن بالأمان لأهل مكة، وعين لهم مواضع للتواجد فيها، ومنها المسجد، ودار أبي سفيان، وراية أبي رويحة، ومن دخل داره، وأغلق بابه إلخ..

ويمكن أن يجاب:

أولاً: إن عدم لجوء ذينك الرجلين إلى مواضع الأمان التي حددها لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يدل على أنهما لم يلتزما بما قرره الرسول، وأنهما كانا في وضع قتالي، انتهى بهما إلى اللجوء إلى جوار أم هاني..

ثانياً: صرح بعضهم بأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد أهدر دم هذين الرجلين: وهما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية، فلم يكونا مشمولين لأمان رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ويشهد لذلك ثناء النبي «صلى الله عليه وآله» على علي «عليه السلام» وتصويبه في ملاحقته هذين الرجلين، وتصريحه بصرف النظر عن قتلهما، إكراماً لأم هاني، ولكن أيضاً لقربها من علي «عليه السلام»، فقد قال «صلى الله عليه وآله»: «قد شكر الله سعيه، وأجرت من أجارت أم هاني، لمكانها من علي([7])، وقال لها: قد آمنا من آمنت، وأجرنا من أجرت، فلا نقتلهما»([8]).

فقوله «صلى الله عليه وآله»: «فلا نقتلهما» يشير إلى أنه «صلى الله عليه وآله» كان مصمماً على قتلهما، وأنهما لم يكونا داخلين في الأمان الذي أطلقه في الناس بشرط الدخول إلى المسجد، أو إلى بعض المواضع الأخرى..

فلا يصح قول بعضهم هنا: «إرادة علي كرم الله وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هاني لعله تأول فيهما شيئاً، أو جرى منهما قتال له. وتأمين أم هاني لهما من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم»([9]).

نعم، لا يصح ذلك للأسباب التالية:

1 ـ قد ظهر مما قدمناه آنفاً: أن علياً «عليه السلام» لم يكن متأولاً في ملاحقته لهذين الرجلين، بل هو يجري فيهما حكم الله وحكم رسوله، لأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي أهدر دمهما، وكان مصمماً على قتلهما لولا شفاعة أم هاني..

2 ـ لم يكن هناك أمان عام للناس، بل كان هناك أمان لمن يدخل المسجد، ودار أبي سفيان، ويغلق بابه، ويلتجئ إلى راية أبي رويحة..

3 ـ لو كان هناك أمان عام لاحتجت به أم هاني على علي «عليه السلام»، ولم تحتج إلى شكواه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»..


 

([1]) بحار الأنوار ج21 ص131 و 132 وج41 ص10 و 11 وإعلام الورى ج1 ص224 و 225 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص376 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص111 والإرشاد للمفيد ج1 ص137 و 138 وكشف الغمة ج1 ص218 والدر النظيم ص180 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص79 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص829 و 830.

([2]) المغازي للواقدي ج2 ص830.

([3]) مورسة: مصبوغة بلون أحمر.

([4]) سبل الهدى و الرشاد ج5 ص249 و 250 عن الواقدي، والمغازي للواقدي ج2 ص831 والسيرة الحلبية ج3 ص102 و (ط دار المعرفة) ج3 ص55 والمستدرك للحاكم ج3 ص277 و 278 وتاريخ مدينة دمشق ج11 ص495 و 496 وتهذيب الكمال ج5 ص298.

([5]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص231 وفي هامشه عن: صحيح مسلم (صلاة المسافرين) (82) وعن أبي داود (2763) وعن مسند أحمد ج6 ص341 و 342 و 343 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص75 ومستدرك الحاكم ج4 ص45 والسيرة الحلبية ج3 ص93 و (ط دار المعرفة) ج3 ص41 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص830 وتاريخ الخميس ج2 ص84 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص556 والبداية والنهاية ج4 ص343 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص568.

([6]) السيرة الحلبية ج3 ص93 و (ط دار المعرفة) ج3 ص41 وتاريخ الخميس ج2 ص84 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص78 والبداية والنهاية ج4 ص343 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص869 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص568.

([7]) بحار الأنوار ج21 ص131 و 132 وج41 ص10 و 11 وإعلام الورى ج1 ص224 و 225 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص376 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص111 والإرشاد للمفيد ج1 ص137 و 138 وكشف الغمة ج1 ص218 والدر النظيم ص180 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص79 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص829 و 830

([8]) السيرة الحلبية ج3 ص93 و (ط دار المعرفة) ج3 ص41 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص568.

([9]) السيرة الحلبية ج3 ص84 و (ط دار المعرفة) ج3 ص27.

 
   
 
 

موقع الميزان