صفحة : 283-288   

مفتاح الكعبة:

وحين فتحت مكة بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» إلى عثمان بن طلحة، فأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم أمنعه منه، فصعد إلى السطح، فتبعه عليّ «عليه السلام» ولوى يده، وأخذ المفتاح منه قهراً، وفتح الباب([1]).

فلما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..([2]). أمره «صلى الله عليه وآله» أن يدفع المفتاح إليه، متلطفاً به، (ويعتذر إليه. وقال له: قل له: خذوها يا بني طلحة بأمنة الله، فاعملوا فيها بالمعروف، خالدة تالدة الخ..)([3]).

فجاء علي «عليه السلام» بالمفتاح متلطفاً، فقال له: أكرهت وآذيت، ثم جئت ترفق؟!

فقال «عليه السلام»: لأن الله أمرنا بردها عليك.

فأسلم، فأقره النبي «صلى الله عليه وآله» في يده([4]).

وذكر نص آخر: أن عثمان بن طلحة ادعى: أنه هو الذي جاء بالمفتاح إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»([5]).

فقام علي بن أبي طالب، ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية!

(وفي رواية: أن العباس تطاول يومئذٍ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم. أي منهم علي «عليه السلام»)([6]).

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أين عثمان بن طلحة؟!

فدعي، فقال: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء».

قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله «صلى الله عليه وآله» مضطبع([7]) بثوبه عليه، وقال: «غيبوه. إن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام»([8]).

وعن ابن جريح: أن علياً «عليه السلام» قال للنبي «صلى الله عليه وآله»: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..([9]).

فدعا عثمان، فقال: «خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة».

وفي لفظ: «تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم»([10]).

وعن الزهري: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما خرج من البيت قال علي «عليه السلام»: «إنا أُعطينا النبوة والسقاية والحجابة، ما قوم بأعظم نصيباً منَّا».

فكره رسول الله «صلى الله عليه وآله» مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة، فدفع المفتاح إليه وقال: «غيبوه»([11]). فلذلك يغيب المفتاح([12]).

وعند الحلبي: أن علياً «عليه السلام» أخذ المفتاح وقال: يا رسول الله، إجمع لنا الحجابة مع السقاية.

فقال «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: أكرهت وآذيت، وأمره «صلى الله عليه وآله» أن يرد المفتاح على عثمان ويعتذر إليه، فقد أنزل الله في شأنك. أي أنزل الله عليه ذلك وهو في جوف الكعبة. وقرأ عليه الآية، ففعل ذلك علي»([13]).

وسياق هذه الرواية يدل: على أن علياً كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان، فلما نزلت الآية أمره «صلى الله عليه وآله» أن يرد المفتاح لعثمان..([14]).

وعن ابن جريح، عن ابن مليكة: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح: «إنما أعطيتكم ما تُرزؤون، ولم أعطكم ما تَرزؤون».

يقول: «أعطيتكم السقاية، لأنكم تغرمون فيها، ولم أعطكم حجابة البيت».

قال عبد الرزاق: أي أنهم يأخذون من هديته([15]).

وعند الحلبي: إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس، أي وهو السقاية، لا ما تأخذون منه من الناس أموالهم، وهي الحجابة، لشرفكم، وعلو مقامكم([16]).

واللافت هنا: أن الواقدي يذكر نفس هذه القضية، بعين ألفاظها، وينسبها إلى العباس، لا إلى علي «عليه السلام»([17]).

وحديث طلب العباس من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يجمع لبني هاشم السقاية والحجابة مروي عن ابن أبي مليكة أيضاً([18]).

ونقول:

إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات عديدة، نذكر منها ما يلي:


 

([1]) تاريخ الخميس ج2 ص87 و 88 والسيرة الحلبية ج3 ص98 و (ط دار المعرفة) ج3 ص49 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص404 وبحار الأنوار ج21 ص116.

([2]) الآية 58 من سورة النساء.

([3]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص88 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص282 وكشف الخفاء ج1 ص374 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص388 وإمتاع الأسماع ج1 ص394 وج13 ص384 وعيون الأثر ج2 ص200.

([4]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص98 و (ط دار المعرفة) ج3 ص49 وبحار الأنوار ج21 ص116 و 117 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص404 و 405.

([5]) راجع: المصنف للصنعاني ج5 ص83 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص529 و 541 والدرر لابن عبد البر ص220 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص279 وكنز العمال ج2 ص384 وج10 ص535 ومواهب الجليل ج4 ص505 ومجمع الزوائد ج6 ص177 والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص61 وفتح الباري ج3 ص371 وعمدة القاري ج9 ص243 ومسند الحميدي ج2 ص304.

([6]) راجع هذه الفقرة في: السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وعيون الأثر ج2 ص200 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص244 وفي هامشه عن البداية والنهاية ج4 ص301.

([7]) اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن ابن سعد والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص100 و 101 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص837 وتاريخ الخميس ج2 ص85 و 88 وعن البداية والنهاية ج4 ص301.

([9]) الآية 58 من سورة النساء.

([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 و 245 عن ابن عائذ، والأزرقي، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص100 ومواهب الجليل ج4 ص505 وشرح مسلم للنووي ج9 ص83 ومجمع الزوائد ج3 ص285 وفتح الباري ج8 ص15 وعمدة القاري  ج4 ص248 والمعجم الأوسط ج1 ص156 وج11 ص98 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1034 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2= = ص137 والكامل لابن عدي ج4 ص137 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص383 و 388 و 389 وأسد الغابة ج3 ص372 وسير أعلام النبلاء ج3 ص12 وميزان الإعتدال ج2 ص510 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص248 وإمتاع الأسماع ج1 ص394 وج13 ص384 وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص83 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص282 وكنز العمال ج12 ص222 وكشف الخفاء ج1 ص374 وتفسير الواحدي ج1 ص270 وتفسير الآلوسي ج5 ص63 وتفسير السمعاني ج1 ص440 والدر المنثور ج2 ص175 والمحرر الوجيز ج2 ص70 وتفسير الرازي ج10 ص138 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص256 وتفسير الثعالبي ج1 ص104 وج2 ص252.

([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 و 245 عن عبد الرزاق، والطبراني. ومواهب الجليل ج4 ص511 ومجمع الزوائد ج6 ص177 والمصنف للصنعاني ج5 ص84 والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص62 وكنز العمال ج14 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص390.

([12]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن الفاكهي، ومواهب الجليل ج4 ص511= = وفتح الباري ج8 ص15 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص125 وكنز العمال ج14 ص107.

([13]) السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص329 وأسباب نزول الآيات ص105 وتفسير البغوي ج1 ص444 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص893 وتفسير أبي السعود ج2 ص193.

([14]) السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52.

([15]) المصنف للصنعاني ج5 ص84 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن عبد الرزاق، والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص62 ومجمع الزوائد ج6 ص177 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص387 وفتح الباري ج3 ص393 وتاريخ الخميس ج2 ص85.

([16]) السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52.

([17]) راجع: المغازي ج2 ص833 وتاريخ الخميس ج2 ص85 عن البحر العميق.

([18]) راجع: المصنف للصنعاني ج5 ص85 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عنه، وراجع عن غير أبي مليكة: كنز العـمال ج14 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص387 و 389 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وتفسير ابن زمنين ج1 ص381 وفتح الباري ج3 ص393 وزاد المسير ج2 ص143 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص528 وتنوير المقباس ص72 والعجاب في بيان = = الأسباب ج2 ص892 والدر المنثور ج2 ص174 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص71 و (ط دار الكتب العلمية) ص60 وتفسير الآلوسي ج5 ص63 وكتاب المنمق لابن حبيب ص287.

 
   
 
 

موقع الميزان