إن الروايات
التي ذكرت أن علياً «عليه السلام» طلب الحجابة لنفسه، أو لبني هاشم
تحتاج إلى تمحيص، لأنها تعاني من إشكالات، تصعِّب على الباحث الإطمئنان
إلى صحتها، فلاحظ ما يلي:
1 ـ
ذكرت إحدى تلك الروايات: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطى المفتاح
لعثمان بن طلحة، ثم طلبه علي
«عليه السلام»
من
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان المفتاح في يده فأعطاه إلى عثمان
في هذه اللحظة.
وروايات أخرى تقول:
بل إن علياً
«عليه السلام»
ذهب إليه، وأخذ المفتاح منه بالقوة.
فهل أخذ عثمان
المفتاح قبل طلب علي «عليه السلام» أم بعده؟!
ويمكن الجواب
بأنه بعد أن أخذ علي «عليه السلام» المفتاح من عثمان، حضر إلى مجلس
رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجرى ما جرى.
2 ـ
هل قال النبي «صلى الله عليه وآله» أدعو لي عثمان، فدعوه، فأعطاه
المفتاح، حين طلب علي الحجابة، أم أعطاه إياه حين كلمه العباس؟!
وقد يجاب:
بأن علياً «عليه السلام» والعباس قد كلم رسول الله «صلى الله عليه
وآله» بهذا الأمر، على التوالي، فأرسل إلى عثمان، فأعطاه المفتاح.
3 ـ
هل نزلت آية
الأمر بأداء الأمانات لحظة استلام النبي «صلى الله عليه وآله» المفتاح
قبل دخول الكعبة؟! أم نزلت حين كان النبي «صلى الله عليه وآله» داخل
الكعبة؟!
4 ـ
هل طلب العباس
من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يجعل الحجابة له، قبل دخوله «صلى
الله عليه وآله» إلى الكعبة؟! أم كان ذلك بعد خروجه منها؟!
5 ـ
ومما يؤكد
الشبهة في صحة ما نسب لعلي «عليه السلام»: أن النبي «صلى الله عليه
وآله» بعد أن طمس الصور في داخل الكعبة أخذ بعضادتي بابها وخطب، وقال
في خطبته: «إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما».
فكيف يصح من
العباس أن يطلب السدانة والسقاية بعد ذلك؟! أي بعد أن وضع مفتاح الكعبة
في كمه، وتنحى ناحية المسجد، ورد الحجابة والسقاية إلى أهليهما.
6 ـ
ينسب إلى علي «صلى الله عليه وآله» أنه قال: أعطينا النبوة، والسقاية
والحجابة.. ما قوم بأعظم نصيب منا.. مع أن الروايات المتقدمة تقول: إن
النبي «صلى الله عليه وآله» لم يعطه الحجابة..
7 ـ
على أنه لو كانت الحجابة حقاً لبني شيبة، فلماذا يرسل النبي «صلى الله
عليه وآله» علياً «عليه السلام» ليأخذ المفتاح منه رغماً عنه؟!.. ألا
يدل ذلك على أنه كان غاصباً لما لا حق له به؟!، وقد استرجعه منه رسول
الله «صلى الله عليه وآله» بواسطة علي «عليه السلام».
8 ـ
وفي جميع الأحوال نقول:
إن كانت
الحجابة حقاً لبني شيبة، فإن حشر اسم علي «عليه السلام» في هذه القضية،
يكون في غير محله، ولا بد من البحث عن مبررات ذلك، فلعله يراد إظهاره
«عليه السلام» طامعاً بأمر دنيوي، ليتساوى مع غيره في هذه الجهة..
ولعله.. ولعله..
وإن كانت
الحجابة لبني هاشم، فلا بد أن يكونوا قد تنازلوا عنها تكرماً وتفضلاً
لمصلحة حاضرة، مثل التأليف بطلب من رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ويكون أخذ المفتاح من عثمان بن أبي شيبة في بداية الأمر في محله..
وبذلك لا يبقى مجال للقول:
بإن
الروايات قد دلت على أن الحجابة لم تعط لبني هاشم. ولعله استعادها من
بني شيبة، وردها لبني هاشم أصحابها الحقيقين.
بل قد يقال:
إن المقصود بكلام علي «عليه السلام» هو أن أمر الحجابة والسقاية أصبح
لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ولبني هاشم، ولهم هم أن يعطوه لهذا ثم
ينتزعونه منه ليعطوه لغيره..
فإعطاء
الحجابة لبني شيبة ليس معناه سقوط حق بني هاشم فيها..
أو يقال:
المقصود هو: أن أمر الحجابة يعود البت فيه لرسول الله «صلى الله عليه
وآله»، فيصح لبني هاشم أن يقولوا: أعطينا الحجابة، كما صح لهم أن
يقولوا: أعطينا النبوة، مع أن النبوة خاصة برسول الله «صلى الله عليه
وآله» دون كل أحد..
|