صفحة : 311   

حمزة وعمارة المسجد:

1 ـ ذكرت رواية صحيحة السند، رواها علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «عليه السلام» قال: «نزلت في علي والعباس وشيبة، قال العباس: أنا أفضل لأن سقاية الحاج بيدي.

وقال شيبة: أنا أفضل، لأن حجابة البيت بيدي.

وقال حمزة: أنا أفضل، لأن عمارة البيت بيدي.

وقال علي: أنا أفضل؛ فإني آمنت قبلكما، ثم هاجرت وجاهدت، فرضوا برسول الله «صلى الله عليه وآله».

فأنزل الله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ..﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ([1])»([2]).

2 ـ رواية أخرى صحيحة السند رواها الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما «عليهما السلام» في قول الله عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ([3]) نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس وشيبة، إنهم فخروا بالسقاية والحجابة، فأنزل الله عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾.

وكان علي وحمزة وجعفر «صلوات الله عليهم» الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله([4]).

ونقول:

 لا يمكن قبول هذه الرواية بالرغم من صحة سندها.

أولاً: لأن الآية تتحدث عن المؤمن المهاجر المجاهد في سبيل الله تعالى. كما أن الرواية ذكرت: أن علياً «عليه السلام» آمن قبلهم، ثم هاجر وجاهد.. فتكون الآية ـ بناء على هذا ـ قد نزلت بعد الهجرة.

فإذا كان شيبة قد أسلم قبل الفتح، أي في السنة الثامنة للهجرة([5])، بل هو قد أراد أن يغتال النبي «صلى الله عليه وآله» يوم حنين، فقذف الله الرعب في قلبه([6])، فإن الإشكال في الرواية يصبح واضحاً، لأن حمزة قد استشهد في واقعة أحد في سنة ثلاث بعد الهجرة.. ولم يجتمع هؤلاء الأربعة علي «عليه السلام» وحمزة، والعباس، وشيبة.

ولو كان شيبة مشركاً آنئذٍ، فلا معنى لأن يرضى بتحكيم رسول الله في هذه القضية.

ثانياً: لو كان الأمر كذلك، لكان حمزة «رضوان الله تعالى عليه» في جملة الظالمين، الذين يهديهم الله تعالى حسب نص الآية.. مع أن سيد الشهداء في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفضائله، وكلمات الرسول في حقه لا يجهلها أهل المعرفة والتتبع.

ثالثاً: إن رواية القمي جعلت حمزة في الفريق المناوئ لعلي «عليه السلام»!! وراواية الكليني جعلته مع علي «عليه السلام»!!

رابعاً: إن جعفراً لم يجتمع بحمزة بعد الهجرة، بل استشهد حمزة في واقعة أحد، وإنما قدم جعفر إلى المدينة من الحبشة في عام خيبر سنة ست..

خامساً: صرحت بعض الروايات: أن المفاخرة بين عباس وشيبة وعلي «عليه السلام» قد حصلت في مكة في المسجد الحرام، بعد أن أعطى رسول الله «صلى الله عليه وآله» مفاتيح الكعبة لشيبة، والسقاية لعباس «رحمه الله».


 


([1]) الآيات 19 ـ 22 من سورة التوبة.

([2]) تفسير القمي ج1 ص283 والبرهان (تفسير) ج3 ص382 وتفسير نور الثقلين ج2 ص193 وبحار الأنوار ج22 ص289 وج36 ص34 والتفسير الأصفى ج1 ص457 والتفسير الصافي ج2 ص328 وتأويل الآيات ج1 ص201 ومجمع البحرين ج2 ص388 وغاية المرام ج4 ص74.

([3]) الآية 19 من سورة التوبة.

([4]) الكافي ج8 ص204 وبحار الأنوار ج36 ص36 وتفسير نور الثقلين ج2 ص193 وتفسير الميزان ج9 ص215 وغاية المرام ج4 ص74 والبرهان (تفسير) ج3 ص382 وقريب منه في تفسير العياشي ج2 ص89.

([5]) الإصابة ج2 ص161 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص298 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص551 وراجع: المعجم الكبير ج 7 ص 297 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص168 والأعلام للزركلي ج3 ص181 والأنساب للسمعاني ج3 ص487 .

([6]) الإصابة ج2 ص161 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص299 عن ابن أبي خيثمة، عن مصعب النميري، وذكره ابن إسحاق في المغازي، وأخرجه ابن سعد عن الواقدي، وذكره البغوي. وراجع: بحار الأنوار ج21 ص166 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص359 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص583 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص381 وإمتاع الأسماع ج14 ص16 وإعلام الورى ج1 ص231 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص632.

 
   
 
 

موقع الميزان