صفحة : 57-59   

شعر علي عليه السلام في حرب حنين:

وذكروا أيضاً: أن علياً «عليه السلام» قال في حرب حنين؛ وأنكرها ابن هشام:

ألم تــر أن الله أبـــلى رســولــــه               بـلاء عـزيز ذى اقتدار وذي فضل

وقـد أنــزل الـكـفـار دار مـذلـة           فلاقوا هـواناً من أسـار ومـن قتل

فأمسى رسـول الله قـد عـز نصره               وكان أمــين الله أرسـل بالـعــدل

فـجـاء بـفـرقـان مـن الله منــزل         مـبـيـنـة آيـاتـه لــذوي الـعـقـل

فـآمــن أقــوام بـذاك فـأيـقـنـوا           فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمـل

وأنـكـر أقــوام فـزاغـت قلوبهم          فزادهم ذو العرش خبلاً على خبل

وحكم فيهـم([1]) يـوم بـدر رسوله                 وقوماً كماة([2]) فعلهم أحسن الفعل

بـأيـديـهـم بيـض خفاف قواطع         وقـد حـادثـوها بالجلاء وبالصقلِ

فـكـم تـركـوا من ناشئ ذي حمية               صريعاً ومـن ذي نجدة منهم كهل

وتـبكي عيـون النـائحات  عليهم                تجود بإرسـال الرشـاش وبالوبـل

نـوائـح تـبـكـي عـتبة الغي وابنه               وشـيـبـة تـنـعـاه وتنعى أبا جهـل

وذا الذحل تنعى وابن جدعان فيهم              مـسـلبـة حـرى مـبـيـنـة الثكـل

ثـوى مـنـهـم في بئـر بدر  عصابة              ذوو نجدات في الحروب وفي المحل

دعـا الـغـي منهم من دعـا فأجابه               ولـلـغـي أسبـاب مـرمقة الوصل

فأضحوا لدى دار الجحيم بمعـزل                عن الشغب والعدوان في أسفل السفل([3])

ونقول:

أولاً: إن الشعر طريقة تعبير لها أثر في النفوس، ويستهويها لحفظه، وترديده، وتناقله، والإحتفاظ به، وإبلاغه للأجيال كما أنه يستفز المشاعر، ويلهب الأحاسيس في كثير من الأحيان، فإذا أمكن الإستفادة منه في خدمة الحق والدين فلا ضير في ذلك، ولا حرج إذا التزموا بحدود الله فيه.

ثانياً: إن علياً حين يقول الشعر، فإنك لا تجد في شعره «عليه السلام» تلك السلبيات التي ألمح القرآن إليها.. فهو لا يستهوي الغاوين عن الحق، وليس فيه هيمان في كل واد، ولا هو يقول ما لا يفعل..

بل هو شعر يستهوي الباحثين عن الحق، وفيه إتباع لسبيل الرشد، ولا يحيد عن سبيل الله له سبحانه، ولو بمقدار ذرة أو شعرة.. وهو تقرير للحقائق، وإخبار عن الوقائع، وقول فصل، ووعد صادق..

كما أنك لا تجد فيه أي نوع من أنواع الخيال الباطل، والأوهام الرعناء، والزائفة..

ثالثاً: إنه «عليه السلام» لم يذكر شيئاً عن جهد نفسه وجهاده في بدر، وأحد، وخيبر، والخندق، وقريظة، والنضير، وذات السلاسل، وفدك، وسواها، ولا يتغنى فيه ببطولات سطرها أي من الناس في حنين.

بل هو يخص رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالثناء، وينسب إليه كل نصر وتوفيق.

رابعاً: إنه «عليه السلام» يذكر الناس في شعره هذا بحقائق الدين القائمة على الحق والعدل، ويشير إلى القرآن بعنوان أنه المفرق بين الحق والباطل، والمنسجم مع ما تقضي به العقول، بما فيه من هدايات تستنزل التوفيق الإلهي، وتكون معاندتها من أسباب الخذلان وزيادة العمى في القلب..


 

([1]) وأمكن منهم.

([2]) غضاباً.

([3]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص125 وبحار الأنوار ج19 ص321 وج41 ص94 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص75 وج2 ص331 والبداية والنهاية ج3 ص404 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص538 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص525.

 
   
 
 

موقع الميزان