صفحة : 61-64   

اقطع لسانه:

قالوا: كان «صلى الله عليه وآله» قد أعطى العباس بن مرداس أربعاً([1]) (وقيل: أربعين([2])) من الإبل يوم حنين، فسخطها، وأنشد يقول:

أتجـعـل نـهبـي ونـهـب العبيد([3])        بـيــن عــيــيــنــــة والأقـــرع

فـما كـان حـصـن ولا حـابـــس          يـفـوقـان شـيـخـي فـي المـجمع

وما كان (كنت) دون امرئ منهـما              ومـن تـضـع الـيـــوم لا يـرفــع

فبلغ النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك، فاستحضره، وقال له: أنت القائل:

أتجـعـل نـهـبـي ونـهـب العبيـد          بـيــن الأقـــرع وعــيــيــنــــة

فقال له أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لست بشاعر.

قال: وكيف؟!

قال: قال: بين عيينة والأقرع.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام»: «قم ـ يا علي ـ إليه، فاقطع لسانه».

قال: فقال العباس بن مرداس: فوالله، لهذه الكلمة كانت أشد علىَّ من يوم خثعم، حين أتونا في ديارنا.

فأخذ بيدي علي بن أبي طالب، فانطلق بي، ولو أرى أحداً يخلصني منه لدعوته، فقلت: يا علي، إنك لقاطع لساني؟!

قال: إني لممضٍ فيك ما أُمِرْتُ.

قال: ثم مضى بي، فقلت: يا علي، إنك لقاطع لساني.

قال: إني لممض فيك ما أمرت.

فما زال بي حتى أدخلني الحظائر، فقال لي: اعتد ما بين أربع إلى مائة.

قال: قلت: بأبي أنتم وأمي، ما أكرمكم، وأحلمكم، وأعلمكم!

قال: فقال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أعطاك أربعاً، وجعلك مع المهاجرين. فإن شئت فخذ المائة، وكن مع أهل المائة.

قال: قلت: أشر علي.

قال: فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك، وترضى.

قلت: فإني أفعل([4]).

وذكروا في توضيح ما جرى: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما قال: اقطعوا عني لسانه، قام عمر بن الخطاب، فأهوى إلى شفرة كانت في وسطه ليسلها، فيقطع بها لسانه.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام»: قم أنت فاقطع لسانه، أو كما قال([5]).

وفي نص آخر: فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لم يقل كذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، وما ينبغي لك، وما أنت براوية.

قال: فكيف قال؟!

فأنشده أبو بكر.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: اقطعوا عني لسانه.

ففزع منها ناس، وقالوا: أمر بالعباس بن مرداس أن يمثل به، وإنما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقوله: اقطعوا عني لسانه، أي يقطعوه بالعطية من الشاء والغنم([6]).

وقد ذكروا كذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل إليه بحلة([7]).

وفي رواية: فأتم له رسول الله «صلى الله عليه وآله» ماءة([8]).

والظاهر: أنه «صلى الله عليه وآله» أعطاه ذلك مكافأة، لقبوله ما عرضه عليه أمير المؤمنين علي «عليه السلام».

ونقول:

إن لنا هنا بيانات عديدة، نذكر منها:


 

([1]) تاريخ مدينة دمشق ج26 ص414 والإرشاد (ط دار المفيد) ج1 ص147 وبحار الأنوار ج21 ص160 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص272 وحلية الأبرار ج1 ص294 وكشف الغمة ج1 ص224 وإمتاع الأسماع ج9 ص298 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص272 ومستدركات علم رجال الحديث ج4 ص358 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص398.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص120 و (ط دار المعرفة) ج3 ص84 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص153 وعيون الأثر ج2 ص220.

([3]) العبيد كزبير: فرس، قاموس المحيط ج1 ص311 وهو اسم فرس عباس بن مرداس بالذات.

([4]) الإرشاد للمفيد ج1 ص146 ـ 148 وبحار الأنوار ج21 ص160 و161 و170 و171 وإعلام الورى ص125 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص237 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص398 و 399 والسيرة الحلبية ج3 ص120 وعن دلائل النبوة للبيهقي ج5 ص181 وكشف الغمة ج1 ص225 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص272 وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص415 وأعيان الشيعة ج1 ص281.

([5]) راجع: الإرشاد للمفيد (هامش) ص147 وحلية الأبرار ج1 ص294.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص399 والسيرة الحلبية ج3 ص120 و (ط دار المعرفة) ص84 وراجع: زاد المسير ج6 ص280 وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص415.

([7]) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص85 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص272 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج26 ص425 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص466 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج9 ص290.

([8]) صحيح مسلم ج3 ص108 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص17 ومسند الحميدي ج1 ص200 ومعرفة السنن والآثار ج5 ص199 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص271 وكنز العمال ج10 ص543 وتفسير البغوي ج2 ص280 وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص413 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص602 والبداية والنهاية ج4 ص412 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص680 والسيرة الحلبية ج3 ص120 و (ط دار المعرفة) ص84 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص399 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص48.

 
   
 
 

موقع الميزان