وتأتي نصيحة أمير المؤمنين «عليه السلام» لابن مرداس
لتكون إسهاماً في تكامل هذا الرجل روحياً، وتعميق شعوره بالكرامة
وبالقيمة الإنسانية، وليصبح معيار الربح والخسارة عنده ليس هو الحصول
على الأموال، والمناصب، بل هو الحصول على الميزات الروحية والإيمانية،
والسابقة في الدين، والتحلي بالشيم والميزات الإنسانية.
وقد رسمت مشورة علي «عليه السلام» لابن مرداس حدوداً
أظهرت له: أن هناك نوعان من الناس، هم: أهل الهجرة والسابقة، والجهاد،
والتضحية بالمال، والنفس، والولد، والتخلي عن الأوطان، وعن الأهل
والعشيرة من أجل دينهم، وحفظ إيمانهم.
ويقابلهم:
أهل الطمع وطلاب الدنيا، الذين يقيسون الأمور بالأرقام
والأعداد.
وقد جاء رسم هذه الحدود له في نفس اللحظة التي انفتحت
فيها بصيرته على معنى القيمة، حين ساقته تحولات الأمور معه إلى أن يلهج
بالقول: «بأبي أنتم وأمي، ما أكرمكم، وأحلمكم، وأعلمكم..»!
فوجد نفسه أمام كرم لا يضاهى، تجلى له بهذا العطاء
الجليل..
وأمام حلم لا يجارى، حيث اعترض على من دانت له العرب،
ولم تقصر همته عن مناهضة العجم، ولم يجد فيه إلا الخلق الرضي، وإلا
السماح، والسماحة، والحلم والنبل، وكمال الرصانة والعقل، والعفو،
والإنصاف والعدل..
فقد استدعاه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وسأله
سؤالاً واحداً، ولم ينتظر منه جواباً، بل بادر إلى اتخاذ القرار الحاسم
بحقه.
ولكنه لم يكن قرار ملك أو جبار، بل كان قرار الرحمة
والرضا، والكرم، والحلم.
ووجد نفسه كذلك أمام علم لا يوصف، اضطره إلى البخوع
والتسليم، وطلب المشورة من علي «عليه السلام» بالذات، فجاءته مشورته
الصادقة، فلم يجد حرجاً من العمل والإلتزام بها..
|