صفحة : 71-76   

سرايا تجاهلوها:

ونلاحظ: أن ثمة سرايا قام بها علي «عليه السلام» بأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» تجاهلها عامة المؤرخين الذين يؤيدون الفريق الذي ناوأ علياً «عليه السلام» في حياته.

ونذكر من هذه السرايا التي حصلت ـ فيما يظهر بين حنين والطائف، ما يلي:

1 ـ سرايا لكسر الأصنام:

قال اليعقوبي، وغيره: «ووجه علياً «عليه السلام» لكسر الأصنام فكسرها»([1]).

ونقول:

1 ـ سيأتي إن شاء الله أنه «عليه السلام» بعد حنين لم يعد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا بعد الإنتهاء من حصار الطائف. فدلنا ذلك على أنه كان يقوم بمهمات جسام، توازي في أهميتها مواجهة أهل الطائف في أيام حصارهم.

2 ـ إن النص لم يحدد لنا عدد هذه الأصنام، ولا أسماء، ولا أمكنة وجودها.. فإن كانت هي الأصنام المعهودة، وهي العزى، وود، وسواع، ومناة، وذو الكفين، واللات، وما إلى ذلك.. فهو يدل على عدم صحة ما ذكروه من أنه «صلى الله عليه وآله» أرسل المغـيرة وأبا سفيان لهدم الطاغية، وهو اللات، وفلاناً الآخر لهدم مناة، وفلانـاً لهدم العزى وما إلى ذلك.. وأن ذكر هؤلاء وعدم التصريح بما أوكل إلى علي «عليه السلام» قد جاء للتعمية على الحقيقة، والتشكيك بها.

2 ـ سرية لمواجهة خيل ثقيف:

وقالوا: «خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الطائف، ووجه علي بن أبي طالب، فلقي نافع بن غيلان بن سلمة بن معتب في خيل من ثقيف (ببطن وج وهو واد بالطائف) فقتله، وانهزم أصحابه».

زاد المفيد وغيره قوله: ولحق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلى النبي «صلى الله عليه وآله»([2]).

3 ـ سرية علي عليه السلام إلى خثعم:

قالوا: سار «صلى الله عليه وآله» بنفسه إلى الطائف (في شوال سنة ثمان، فحاصرهم بضعة عشر يوماً([3]) أو) فحاصرهم أياماً.

وأنفذ أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في خيل، وأمره أن يطأ ما وجد، وأن يكسر كل صنم وجده.

فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب، في غبش الصبح، فقال: هل من مبارز؟!

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: «من له»؟!

فلم يقم أحد، فقام إليه أمير المؤمنين «عليه السلام».

فوثب أبو العاص بن الربيع، فقال: تكفاه أيها الأمير.

فقال: «لا، ولكن إن قتلت فأنت على الناس».

فبرز إليه أمير المؤمنين «عليه السلام» وهو يقول:

إن عـلى كــل رئـيـس حــقــاً             أن يـروي الـصـعـدة أو تـدقـا([4])

ثم ضربه فقتله. ومضى في تلك الخيل، حتى كسر الأصنام، وعاد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو محاصر لأهل الطائف (ينتظره).

فلما رآه النبي «صلى الله عليه وآله» كبر (للفتح)، وأخذ بيده، فخلا به، وناجاه طويلاً([5]).

فروى عبد الرحمن بن سيابة، والأجلح جميعاً، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما خلا بعلي بن أبي طالب «عليه السلام» يوم الطائف، أتاه عمر بن الخطاب، فقال: أتناجيه دوننا، وتخلو به دوننا؟!

فقال: «يا عمر، ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه»([6]).

قال: فأعرض عمر وهو يقول: هذا كما قلت لنا قبل الحديبية: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ([7])، فلم ندخله، وصددنا عنه.

فناداه النبي «صلى الله عليه وآله»: «لم أقل: إنكم تدخلونه في ذلك العام»!([8]).

وعن جابر، عن أبي عبد الله «عليه السلام»: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال يوم الشورى: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ناجاه رسول الله يوم الطائف، فقال أبو بكر وعمر: «يارسول الله ناجيت علياً دوننا».

فقال لهما النبي «صلى الله عليه وآله»: «ما أنا ناجيته، بل الله أمرني بذلك» غيري؟!

قالوا: لا([9]).

ونقول:

تضمنت الروايات المتقدمة أموراً عديدة، نقتصر منها على ما له ارتباط بأمير المؤمنين «عليه السلام»، فلاحظ المطالب التالية:


 

([1]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص64، وإعلام الورى ص123 و 124 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص387 و 388 وكشف الغمة ج1 ص226 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص265 وبحار الأنوار ج21 ص163 و 164 و 169 وج41 ص95 ومكاتيب الرسول ج1 ص33 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص332 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص92 وأعيان الشيعة ج1 ص280 والإرشاد للمفيد ج1 ص151 ـ 153.

([2]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص64 وإعلام الورى ص124 و (ط مؤسسة آل البيت) = = ج1 ص388، وبحار الأنوار ج21 ص164 و 168 وج41 ص95 والإرشاد للمفيد ج1 ص153 وأعيان الشيعة ج1 ص281 والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص185 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص257 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص605 و 606 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص93.

([3]) إعلام الورى ص123 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص387 وبحار الأنوار ج21 ص164 و 168 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص598 وراجع: قصص الأنبياء للراوندي ص348 والدر النظيم ص185 وكشف الغمة ج1 ص226 والإرشاد ج1 ص153 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص93 وأعيان الشيعة ج1 ص281 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص257.

([4]) الصعدة: القناة المستوية من منبتها لا تحتاج إلى تعديل. راجع: الصحاح ـ صعد ـ ج2 ص498.

([5]) راجع: إعلام الورى ص123 و 124 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص235 و 388 و 389، والدر النظيم ص185 والكنى والألقاب ج1 ص115 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص605 و 606 و (ط المكتبة الحيدرية) ص182 وج2 ص332. وبحار الأنوار ج21 ص163 و 164 و 169 وج41 ص95 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص92 وأعيان الشيعة ج1 ص281 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص266 والإرشاد للمفيد ج1 ص151 ـ 153 وفي هامشه قال: روي باختلاف يسير في سنن الترمذي ج5 ص303، وتاريخ بغداد ج7 ص402، = = ومناقب المغازلي ص124، وأسد الغابة ج4 ص27، وكفاية الطالب ص327 وكشف الغمة ج1 ص226.

([6]) راجع المصادر المتقدمة.

([7]) الآية 27 من سورة الفتح.

([8]) راجع: إعلام الورى ص124 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص388 وبحار الأنوار ج21 ص164 و 169 والإرشاد للمفيد ج1 ص153 وقال في هامشه: أنظر قطعاً منه في سنن الترمذي ج5 ص639/3726. وجامع الأصول ج8 ص658/6505، وتاريخ بغداد ج7 ص402، ومناقب الإمام علي «عليه السلام» لابن المغازلي ص124 و 163، وكفاية الطالب ص327، وأسد الغابة ج4 ص27، ومصباح الأنوار ص88، وكنز العمال ج11 ص625/33098 = = عن الترمذي، والطبراني. انتهى.

وحديث المناجاة مذكور في كثير من مصادر أهل السنة، ولكنهم يتحاشون غالباً التصريح باسم المعترضين على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فراجع على سبيل المثال: إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص525 ـ 531 عن المصادر التالية:

صحيح الترمذي (ط الصاوي) ج13 ص173 والرسالة القوامية للسمعاني، والمناقب للخوارزمي (ط تبريز) ص83، والنهاية في اللغة ج4 ص138 وتذكرة الخواص (ط الغري) ص47 ونهج البلاغة (ط القاهرة) ج2 ص167 و 411 ومسند أحمد، ودر بحر المناقب (مخطوط) ص47 والرياض النضرة (ط الخانجي) ج2 ص200 وذخائر العقبى (ط القدسي) ص85 والبداية والنهاية ج7 ص356 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص564 وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص187 والمناقب لعبد الله الشافعي (مخطوط) ص164 ومفتاح النجا للبدخشي (مخطوط) ص47 وأسنى المطالب لمحمد الحوت، وتاج العروس ج1 ص358 وينابيع المودة ص58 وتجهيز الجيش ص374 وسعد الشموس والأقمار (ط التقدم العلمية بمصر) ص210 وأرجح المطالب (ط لاهور) ص594 عن الترمذي، والنسائي، والطبراني عن أبي هريرة.

([9]) بحار الأنوار ج21 ص180 وج31 ص337 والإحتجاج ج1 ص202 و 203 ومصباح البلاغة للميرجهاني ج3 ص221 وغاية المرام ج2 ص132.

 
   
 
 

موقع الميزان