تضمنت النصوص المتقدمة:
1 ـ
أنه «صلى الله عليه وآله» حاصر الطائف أسبوعين أو ثلاثة
أو أكثر..
2 ـ
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» أوغل روحة، أو غدوة.
3 ـ
ثم نزل.
4 ـ ثم هجّر.
5 ـ
ثم أطلق تهديداته القوية: بأنه سوف يرميهم بعلي «عليه
السلام»، ليضرب أعناق مقاتليهم، ويسبي ذراريهم، أو يقيمون الصلاة،
ويؤتون الزكاة.. فما تفسير ذلك كله؟!
ونقول:
تظهر الإجابة على ذلك بالتأمل فيما يلي من نقاط:
1 ـ
إن تحركات النبي «صلى الله عليه وآله»، على النحو المشار إليه آنفاً،
حيث كان يتركهم، ثم يعود إليهم.. روحة أو غدوة، ثم ينزل، ثم يهجر، أمر
لم يعرفه الناس في الحروب آنئذٍ.. ولا سيما حين يكون التحرك في وقت
الهاجرة.. فإن هذه التحركات كانت مرصودة من قبل أهل الطائف، ولا بد
أنها كانت تثير دهشتهم وتساؤلاتهم، وتوقعهم في حيرة بالغة..
ولا بد أن تكون قد أفهمتهم أموراً كثيرة، أهونها أنهم
غير متروكين، وأن عليهم أن يتوقعوا مفاجأتهم في كل وقت، وزمان، فلا
يمكنهم أن يأمنوا على أنفسهم بالخروج من حصونهم، والتخلي عن أسوارهم..
بل عليهم أن يبقوا في حالة تأهب وحذر.
كما لا بد أن تبقى ماشيتهم معهم، فلا يمكنهم تسريحها،
ولا بد لها من أن تجد ما تأكله، ليمكنهم أن يستفيدوا منها في هذا الوقت
الذي هم بأمس الحاجة إليها، كما أن عليهم أن يتدبروا أمرهم في إيجاد
المؤن لأنفسهم، وربما ينفد منهم كل شيء.. ولا يبقى لهم حتى ماشيتهم.
2 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» هددهم بأنهم إن لم يستجيبوا لنداء العقل،
فسيرميهم بأخيه علي «عليه السلام»، الذي هزمهم في حنين قبل أيام هزيمة
مرة، وذليلة ومخزية، وقد كانوا عشرات الألوف، فهل يمكنهم الصمود الآن
بعد أن تفرق ذلك الجمع عنهم؟!
3 ـ
إن قذائف المنجنيق أضرت بهم.. مع علمهم بأن علياً «عليه السلام» لم
يشارك بعد في الحرب عليهم، بل هو لم يحضر بعد إلى ساحات النزال، لأنه
كان منشغلاً بتطهير بعض الجهات من الجماعات الصغيرة المنتشرة في
المنطقة، الأمر الذي يشير إلى أن المنطقة قد خرجت من أيديهم، ولم تعد
قادرة على مد يد العون لهم..
4 ـ
إن عليهم أن يتوقعوا أن مصيبتهم الكبرى ستكون حين يأذن النبي «صلى الله
عليه وآله» لعلي «عليه السلام» بمناجزتهم.. فإنه لا شيء يصده عن إنزال
عقاب الله فيهم، وسوف لا تغني عنهم حصونهم شيئاً، كما لم تفد حصون
قريظة وخيبر أهلها شيئاً.
ولأجل ذلك هددهم بأن يبعث عليهم رجلاً منه كنفسه، يضرب
أعناق مقاتليهم، ويسبى ذراريهم.
5 ـ
وقد اقتصر «صلى الله عليه وآله» على هذين الأمرين: قتل المقاتلين، وسبي
الذراري.. على قاعدة: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ
وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً﴾([1])،
والمطلوب هو التخلص من الظلم، وقطع دابر الظالمين،
وإفساح المجال للناس ـ من غير المصرين على القتال ـ ليمارسوا حريتهم في
اختيار معتقداتهم، استناداً إلى الدليل القاطع للعذر، وليختاروا طريقة
عيشهم بأنفسهم.
6 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» لم يصرح بإسم الذي يريد أن يرميهم به.. ووصفه
بأوصاف جليلة وجميلة، ليطلق الناس العنان لخيالهم في التعرف على ذلك
الشخص، ويتلمسوا تلك الميزات في هذا، ثم في ذاك، حتى يجدوها بأنفسهم في
صاحبها المعهود والمقصود.. بعد أن يكونوا قد استحضروا ميزات هذا وذاك
من الطامحين والطامعين..
7 ـ
ولكن هذا الإبهام لم يدم طويلاً حيث جاءت المطالبة بالتصريح بإسمه،
فصرح لهم بذلك الإسم الشريف.. الأمر الذي حمل المطلب بن عبد الله على
أن يسأل مصعب بن عبد الرحمان بن عوف فقال: فما حمل أباك على ما صنع.
فقال مصعب:
وأنا والله أعجب من ذلك.
أي أنه سأله عن سبب عدم مبايعة عبد الرحمان بن عوف لعلي
«عليه السلام» بالخلافة، وتقديم عثمان عليه في يوم الشورى العمرية! إذا
كان يعلم أن ذلك جرى له، فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد قال
فيه ما قال..
فلم يجد عنده جواباً معقولاً، لأن الجواب المعقول لا
يسعده، فإن السبب الحقيقي هو الطمع وعدم الورع..
([1])
الآيتان 26 و 27 من سورة نوح.
|