علي عليه السلام في بني زبيد

   

صفحة : 177-179   

علي عليه السلام في بني زبيد:

وقالوا: «وجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن، وقال: «إذا اجتمعتما فعلي الأمير، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير»([1]).

فاجتمعا. وبلغ عمرو بن معد يكرب مكانهما. فأقبل على جماعة من قومه([2]). فلما دنا منهما قال: دعوني حتى آتي هؤلاء القوم، فإني لم أسمَّ لأحد قط إلا هابني.

فلما دنا منهما نادى: أنا أبو ثور، وأنا عمرو بن معد يكرب.

فابتدره علي وخالد، وكلاهما يقول لصاحبه: خلني وإياه، ويفديه بأمه وأبيه.

فقال عمرو إذ سمع قولهما: العرب تُفَزَّع بي، وأراني لهؤلاء جزراً.

فانصرف عنهما.

وكان عمرو فارس العرب، مشهوراً بالشجاعة. وكان شاعراً محسناً([3]).

وقالوا أيضاً: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث خالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وقال له: «إن مررت بقرية فلم تسمع أذاناً، فاسبهم».

فمر ببني زبيد، فلم يسمع أذانا، فسباهم.

فأتاه عمرو بن معد يكرب، فكلمه فيهم، فوهبهم له، فوهب له عمرو سيفه الصمصامة، فتسلمه خالد. ومدح عمرو خالداً في أبيات له([4]).

ونقول:

1 ـ لقد ظن عمرو بن معدي كرب أن جميع الناس على شاكلته، من حيث تعلقهم بالحياة الدنيا، وخشيتهم من الموت، فكلما زادت احتمالات تعرضهم للخطر ازداد حبهم لما يقرِّبهم من السلامة والأمن..

وقد اعتاد أن يرى ذوي السطوة والنفوذ يدفعون من هم تحت أيديهم إلى مواجهة الأخطار، ودرئها عن أنفسهم، وأن يستغنوا بذلك عن التعرض لها ومكابدتها. ولكنه رأى هؤلاء القادمين عليه يتسابقون إلى الموت حباً بسلامة إخوانهم ففاجأه ذلك.

2 ـ إن غرور ابن معد يكرب بنفسه، واعتماده على بعد صيته دفعه إلى التهويل باسمه على هؤلاء القادمين، فلم يجد عندهم ما تعوده في غيرهم، فاضطر إلى التراجع الذليل، ولم يكلف نفسه عناء خوض معركة لعلها هي أول معركة حقيقية يشهدها في حياته.

فرضي بوصمة الخوف والجبن، والتراجع الذليل، حين أعلن أن هؤلاء القادمين يعتبرونه جزراً.

3 ـ إننا نلمح في هذه الواقعة: أن ما كان يشاع عن هذا الرجل بين الناس كانت تشوبه شائبة التزوير للحقائق، وهو إعلام معتمد على التهويل الكاذب، وعلى الدعايات الفارغة.

ولعل عمرواً كان يبطش ببعض الضعفاء، أو الجبناء، أو يغدر ببعض الآمنين، ثم يخلط ذلك بكثير من الشائعات التي تصل إلى حد الخرافة، ويشيعه بين الناس على أنه بطولات، وإنجازات، وهي لا تعدو كونها أوهاماً وخيالات باطلة.

ولأجل ذلك كله كان عمرو بن معدي كرب هذا قد عرف بالكذب بين الناس.

فقد رووا: أنه كان يحدث بحديث، فقال فيه: لقيت في الجاهلية خالد بن الصقعب، فضربته وقددته، وخالد في الحلقة.

فقال له رجل: إن خالداً في الحلقة.

فقال له: أسكت يا سيء الأدب، إنما أنت مُحدَّث، فاسمع أو فقم.

ومضى في حديثه، ولم يقطعه، فقال له رجل: أنت شجاع في الحرب والكذب معاً.

قال: كذلك أنا تام الآلات([5]).


 

([1]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص386 و 246 عن مناقب الإمام الشافعي لمحمد بن رمضان بن شاكر، وفي هامشه عن: المعجم الكبير للطبراني ج4 ص14 والإصابة ج3 ص18 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص522 و (ط دار الجيل) ج3 ص1203 وأسد الغابة ج4 ص133.

([2]) أي مترئِّساً على جماعة من قومه.

([3]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص246 و 386 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1204 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص569 وعيون الأثر ج2 ص292.

([4]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص246 عن ابن أبي شيبة من طرق. وفي هامشه عن: الإصابة ج3 ص18 و (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص569 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص377 وراجع: كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج4 ص483.

([5]) تاريخ مدينة دمشق ج46 ص389 وقال في هامشه: رواه المعافي بن زكريا في الجليس الصالح الكافي ج2 ص214 و 215 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص362.

 
   
 
 

موقع الميزان