صفحة : 192-193   

هزيمة ذليلة، وسبي نساء:

إن قوم عمرو بن معد يكرب، حاولوا إثارة حفيظته بقولهم له: لعل هذا الوافد يجبره على دفع الإتاوة، مع وصفهم لذلك الوافد بكلمة «الغلام»، المشعرة بتقدم عمرو عليه بالسن، وبالتجربة، وغير ذلك..

ثم وصفوا هذا الغلام بـ «القرشي» ليشعر ذلك بغربته، وبالإختلاف معه في العدنانية والقحطانية، وفي طبيعة الحياة، فإن هذا الوافد حضري، يفترض أن تكون حياته أقرب إلى الراحة والسعة والرفاه، أما عمرو وقومه، فإنهم يعيشون حياة البداوة والخشونة، ويدَّعون لأنفسهم الإمتياز بالقدرة على تحمل المكاره، ومواجهة الصعاب، والإعتزاز بالشجاعة وبالفروسية، وما إلى ذلك..

ولكن كل ذلك لم ينفع في تحريك عمرو، بل هو قد زاد من شعور بمرارة الهزيمة التي حلت به، ومما زاد في خزي عمرو أن هزيمته قد جاءت بعد أن استعرض قوته أمام الملأ، قائلاً: من يبارز؟!

وكان يرى أن الناس يهابونه، وأنه يكفي أن يذكر لهم اسمه حتى تتبدل أحوالهم، ويدب الرعب في قلوبهم، ويتخذوا سبيل الإنسحاب من ساحة المواجهة، بكل حيلة ووسيلة، وإذ به يرى أن هؤلاء يتنافسون على مبارزته، وعلى سفك دمه.

وكان الأخطر والأمرّ، والأشر والأضر هو: أن هزيمة عمرو أمام نفس هذا الغلام القرشي لم تكن نتيجة قتال، بل كانت من مجرد صيحة أطلقها، دون أن يلوح له بسيف، أو يشرع في وجهه رمحاً!

فما هذه الفضيحة النكراء، والداهية الدهياء؟!

ثم كان الأخزى من ذلك، والأمضّ ألماً، والأعظم ذلاً أن يقتل هذا الغلام القرشيّ على حد تعبيرهم أخا عمرو وابن أخيه، ويسبي ريحانة بنت سلامة زوجة عمرو، بالإضافة إلى نساء أخريات.

ثم انصرف أمير المؤمنين «عليه السلام» مطمئناً إلى عدم جرأة عمرو وغيره على القيام بأية مبادرة تجاه خالد بن سعيد، الذي أبقاه «عليه السلام» في بني زبيد أنفسهم، ليقبض صدقاتهم، ويؤمِّن من عاد إليه من هُرّابهم مسلماً.

 
   
 
 

موقع الميزان